فإن قلت : ولكن هذه الآية تعطي (صورة متحركة) بأنهم كانوا مجموعين ثم تفرقوا.
قلت : هذا صحيح ، ولكنه لم ينشأ من قوله تعالى : أشتاتا. وإنما من قوله : يصدر ، يعني يرجعون إلى الحياة. كقوله تعالى (١) : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ).
فإن قلت : إن أشتاتا حال من يصدر. فيكون المعنى : أنهم يصدرون متفرقين من حين صدورهم ، لا أنهم بعد صدورهم تفرقوا وأصبحوا أشتاتا.
قلت : نعم ، هو مستفاد من الآية إلى حد ما. ولكن يمكن القول : إنهم يصدرون فيتفرقون. وأما إذا فهمنا أنهم متفرقون من حين صدورهم ، فينبغي أن نفهم من الأشتات تفرق الاتجاه لا تفرق الأفراد. بمعنى أنهم مجموعون في لحظة قيامهم. ولكن كل واحد منهم يتجه إلى اتجاه مختلف عن اتجاه الآخر. قال تعالى (٢) : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) ... أي اتجاههم متفرق. وقال تعالى (٣) : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى). أي متفرق. وهي أوضح من سابقتها فيما نقوله.
سؤال : يبدو أن هناك تناقضا ما بين آيتين من القرآن الكريم. إحداهما قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً). وثانيهما : قوله تعالى (٤) : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً). حيث دلت إحداهما على التفرق والأخرى على الجمع. فأيّ منهما نصدق؟
جوابه : إن هذا له أكثر من مبرر :
الأول : ما التفت إليه في الميزان حين قال (٥) : والمراد بصدور الناس
__________________
(١) الأنبياء / ٩٦.
(٢) الحشر / ١٤.
(٣) الليل / ٤.
(٤) الكهف / ٤٧.
(٥) ج ٢٠ ، ص ٣٤٣.