كما يحتمل أن نستغني عن المقدمة الثانية ، وهي أنها نزلت دفعة واحدة ، بأن نقول : إن قوله : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) ... إلى آخر السورة نزل متأخرا.
إلّا أن هذا لا يتم لأن هذه الآية وما بعدها نحو جواب عن الآيات التي سبقتها. فتوجد دلالة على أن السورة مترابطة في المعنى والسياق. وآخرها مربوط بأولها. فلا يمكن أن تنزل الآية المذكورة ، بعد سنتين ، وتكون مع ذلك مترابطة ، وجوابا عما قبلها. فهي إذن نازلة دفعة واحدة ، فلا يمكن أن تكون نازلة في أول الوحي.
إن قلت : يمكن أن نؤول الناهي من كونه أحد مشركي العرب كأبي جهل أو أبي لهب ، إلى أمر آخر كالشيطان أو النفس الأمارة بالسوء.
قلت : إننا نتحدث عن النبي صلىاللهعليهوآله وهو معصوم عن تأثير الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
إن قلت : إنكم قلتم بأن «عبدا» ، غير متعين بالنبي صلىاللهعليهوآله بل يراد منه مطلق الناس ، فيناسب أن تكون السورة نازلة في أول البعثة. لأن المقصود غير النبي صلىاللهعليهوآله الّذي لم ينهه أحد عن الصلاة.
قلت : كما أن النبي صلىاللهعليهوآله لم ينه عن الصلاة ، كذلك لم ينه أحد غيره ، فإنه لم ير أحد قد صلّى لكي ينهون.
فإن قلت : نفهم من الصلاة مطلق الطاعة ، وهي موجودة على طول البشرية ، والنهي عن الطاعة موجود من قبل البشر أو من قبل الشيطان أو من النفس الأمارة ، لأننا الآن نفهم منها معنى كليا لا شخصيا. فلا بأس أن تكون نازلة عند أول الوحي.
قلت : قالوا : إن الطاعة لم تكن موجودة في ذلك الحين ، لأن الأوامر والنواهي إنما تكون في فروع الدين ، والدين في ذلك الحين كان على النصرانية والحنيفية ، وكلاهما في أصول الدين ، لا في فروعه.
فإن قلت : إن الحنيفية فيها فروع من فروع الدين ، فقد ورد أن الحنيفيين