أقول : إنه مما يدفع وينفي فهمه هذا هو أن أحدا لم يكن ينهاه عن تلك الصلاة ، بل لم يكن أحد يراه ، وهو يصلي في غار حراء. ولم يكن يصلي في مكان آخر. والسياق واضح في مناقشة النهي عن الصلاة. وهو إنما كان بالصلاة أمام الكعبة. إذن ، فلا بد من التنزل عن إحدى المقدمتين : أما نزول السورة في أول البعثة ، أو نزولها دفعة واحدة ، فإن الوارد تاريخيا هو نزول أولها وليس نزول جميعها.
إلّا أن يقال : بأن سياقها واحد ، وآياتها مترابطة ، وبذلك يبعد الظن بوجود الفاصل الزمني ، وهذا دلالة على نزولها الدفعي. فيتعين أنها لم تكن نازلة في أول البعثة. وإن دل على ذلك خبر ، فإنه على خلاف ظاهر القرآن ، فلا يكون حجة.
فإن قلت : إن الدلالة على نزولها أول البعثة بدليلين :
الأول : الخبر التاريخي بذلك ، وهو وإن كان عاميا ، لكن المتشرعة قد تسالموا على صحته وأخذوا به.
الثاني : إن لفظ اقرأ فيه إشعار بذلك. أي اقرأ الرسالة المحمدية ، أو اقرأ ما ترسل به من الآن فصاعدا. وظهور القرآن حجة.
قلت : لا يتم ذلك لأكثر من وجه :
أولا : إنه ليس هناك خبر تسالم المتشرعة على صحته حول ذلك. وإنما سكتوا عنه لمجرد كونه محتمل الصحة ، كما ورد : ما طرق سمعك فذره في ساحة الإمكان حتى يذودك عنه ساطع البرهان.
ثانيا : إن متعلق القراءة ليس بالضرورة الرسالة المحمدية كلها ، بل يراد بها القراءة في الجملة ، بنحو القضية الجزئية التي تصدق على القليل والكثير. أي اقرأ هذه السورة أو اقرأ القرآن ، ونحو ذلك.
فبالإمكان أن نقول : إن السورة لم تنزل في أول البعثة ، بل ظاهرها هكذا. لوجود النهي عن الصلاة فيها. وبذلك نضرب الرواية الدالة على ذلك عرض الجدار. لأنها خلاف ظاهر القرآن ، وكل ما خالفه لم يكن حجة.