هذا مضافا إلى تشاكل المادة اللفظية والبلاغية بين الرحمن والرحيم.
وبهذا يتضح الجواب على هذا السؤال : لما ذا ذكرت هذه الأسماء بهذا الترتيب؟
فإنه سبحانه بدأ بالاسم الدال على الذات المقدسة ، ثم بأوسع الأسماء الحسنى الذي يشابه العلم في السعة والأهمية. ثم بالاسم الأضيق منهما وهو الرحيم ، وأما أن يقدم الصفة على الذات ، أو أن يقدم الاسم الضيّق على الواسع فهذا واضح الرداءة.
سؤال : لما ذا تكررت مادة الرحمة في السورة مرتين؟
جوابه : قال في الميزان (١) الرحمن : فعلان ، صيغة مبالغة تدل على الكثرة ، والرحيم فعيل ، صفة مشبهة تدل على الثبات والبقاء. ولذلك ناسب الرحمن أن يدل على الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن والكافر ، وهو الرحمة العامة ... ولذلك أيضا ناسب الرحيم أن يدل على النعمة الدائمة والرحمة الثابتة الباقية التي تفاض على المؤمن.
أقول : ينتج من ذلك عدة أمور ، أهمها :
أولا : إن رحمة الله تعالى تتصف بكلا الوصفين ، فهي واسعة ومنتشرة من ناحية ، وثابتة ومستقرة وغير قابلة للتزلزل من ناحية أخرى.
ثانيا : إننا يمكن أن نلحظ هذين الاسمين مستقلين ، فهو تعالى (رحمن) وهو أيضا (رحيم). كما هو المتبادر العرفي في سائر الأسماء الحسنى كالغفار والشكور ونحوها.
ويمكننا أيضا ، أن نركب بينهما ، فيكون (الرحمن الرحيم) اسما واحدا ، فنفس الرحمة واسعة وهي ثابتة. فكأنهما صفتان لشيء واحد وهي مادة الرحمة.
ومعه تكون النتيجة هي تصورنا للرحمة الواسعة والثابتة. وذلك على أحد شكلين :
__________________
(١) الميزان ج ١ ، ص ١٨.