وقال سبحانه (١) : (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا). يعني اقترب منا لتكون مثلنا في الإيمان أو الكفر.
وقوله في محل الكلام : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ). أي لهدف إنقاذه من عذاب الله سبحانه. وقوله سندع الزبانية أي لهدف المنع من ذلك الدفاع المزعوم. أو قل : للدفاع ضد الدفاع. وليس لمجرد الاقتراب.
وعلى أي حال ، فهاتان الأطروحتان تتفقان على كون النداء أعم ، لكن لكل منها من وجهة نظره. فيكون كل نداء دعاء ولا عكس.
وقد يقال ـ في الأطروحة الثانية ـ : إن لكل نداء هدفا لا محالة. فيكون كل نداء دعاء ، وليس في النداء حصة خارجة عن الدعاء بل يكونان متساويين مفهوما.
جوابه : من أكثر من وجه :
الوجه الأول : أن نتنزل عما قلناه ونقول : إن الفعل الاختياري عموما فيه غاية ، والنداء فعل اختياري ، فلا بد أن يكون في غاية فإذا دخلت الغاية ، أصبح النداء دعاء. فتكون النسبة بينهما هي التساوي وليس العموم المطلق.
الوجه الثاني : أن نحافظ على النظرية الأصلية ونقول : إن الهدف في الدعاء ليس المراد منه الهدف الواقعي أو العقلي الذي يكون في كل فعل اختياري. بل المقصود الهدف العرفي والعقلائي. وبهذا يمكن أن لا يكون للنداء هدف فلا يكون دعاء. فلا تكون النسبة بينهما هي التساوي بل العموم المطلق.
إن قلت : ولكن هذا قليل.
قلت : إن القلة لا تعني عدم وجود الشيء ، بل هو موجود مهما كان قليلا. وهذا الإشكال وارد حتى على الراغب حين يقول : إن النداء يصدق على ترك الاسم. فنقول : يا أو أيا فقط بدون اسم. فإنه أيضا قليل عرفا.
__________________
(١) الأنعام / ٧١.