قلنا : إن ذي المقدمة لما لم يكن واجبا ، لم تكن المقدمة واجبة. وهنا ليست الاستعاذة إلزامية في نفسها. ولا يحتمل وجوبها في الارتكاز المتشرعي ، فلا يكون النطق بها واجبا أيضا. وهذا قرينة على أن (قل) ليست للوجوب ، وإنما هي للحكم الوضعي أو للاستحباب أو لجامع المطلوبية بعنوان إظهار الضعف والخضوع أمام الله سبحانه. قال الله تعالى (١) : (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً). إذن ، ففعل الأمر هذا لا يدل على الوجوب من الناحية الفقهية. وإن كان دالا عليه من الناحية الأخلاقية.
فإن قلت : إن قراءة السورة والاستعاذة بها مقدمة لدفع الخطر فينبغي أن نحمل (قل) على الوجوب لا على الاستحباب.
قلت : جواب ذلك من عدّة وجوه :
الوجه الأول : إن هذا يختص بالخطر الواجب الدفع. وهو المتصف بأمرين : أن يكون داهما وعظيما وأن يكون ممكن الدفع. وليس كل خطر ممكن الدفع على أي حال. فإذا لم يكن الخطر كذلك لم يكن واجب الدفع. فلا تكون مقدمته وهي الاستعاذة واجبة.
الوجه الثاني : يختص الوجوب ـ على تقدير ثبوته ـ بما إذا كانت قراءة السورة مؤثرة في دفع الخطر عنه. وذلك فيما إذا كان الإنسان بدرجة عالية من درجات اليقين. وأما لو كانت قراءته لها غير مؤثرة ، كما هو الحال في أغلب الناس ، فلا تكون مقدمة لدفع الخطر ، فلا تكون قراءتها واجبة.
الوجه الثالث : إنه بعد التنزل عن الوجهين السابقين ، قلنا إن (قل) هي لجامع المطلوبية ، فإن استعملت للحصة الاستحبابية كانت مصداقا للجامع ، وإذا استعملت بالحصة الوجوبية كانت مصداقا له أيضا. وكلاهما استعمال حقيقي بنحو الاشتراك المعنوي ، وليس بنحو الاشتراك اللفظي.
ونظيره من القرآن قوله تعالى (٢) : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
__________________
(١) الفرقان / ٣.
(٢) المائدة / ٦.