الأطروحة الأولى : إن المراد منها الأثر الوضعي (الدنيوي أو الأخروي) وهو دفع الشر ، والاستعاذة بالله سبحانه من حصوله. وليس المراد منها الحكم التكليفي. والوجوب هو حكم تكليفي لا وضعي. فلا تكون دالة عليه.
الأطروحة الثانية : إن صيغة الأمر إنما يراد بها الوجوب ، فيما لا يقع في مورد احتمال الحظر. وأما إذا كان في ذلك المورد ، فيراد بها الإباحة كما في قوله تعالى (١) : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا). أي يجوز لكم الصيد ، لا أنه يجب عليكم.
فإذا التفتنا أن احتمال الحظر موجود في مورد الآية ، فإنه قد يتصور الإنسان أنه لا يجوز له أن يستعيذ من الشر أو الخطر ، بل يجب عليه التسليم والرضا بقضاء الله سبحانه ، أو قد يعتبر ذلك شكلا من أشكال إساءة الأدب أمامه سبحانه. فجوابا على ذلك يجيز لنا الله تعالى أن نستعيذ به عند ما نقع في ضرر أو ضرورة.
إذن ، فالاستعاذة هنا في مورد احتمال الحظر ، فيكون الأمر بها دالا على الإباحة لا على الوجوب.
الأطروحة الثالثة : إن هذا بمنزلة الأمر التقديري أو التعليقي ، وليس صريحا. كما لو قال : إذا أردت الاستعاذة فقل كذا. فيكون معلقا على أمر واجب فلا يكون للوجوب. كما لو قيل : إذا قمت للنافلة فتوضأ أو إذا أكلت فقل : بسم الله. وهنا : إذا وقع عليك الشر والضرر فقل أعوذ برب الناس. فهو ليس ابتدائيا ، بل هو منوط بشعور الفرد بالخوف والعجز والحاجة. والمفروض بالمؤمن أن يكون دائم الشعور بالحاجة إلى الله سبحانه.
إن قلت : إن هذه التعليقية لا تنافى الوجوب ، بل تكون موضوعا له. كما في قولنا : إذا استطعت فحج.
__________________
(١) المائدة / ٢.