وقد أشرنا في درس الأصول إلى نكتة يحسن ذكرها هنا :
وهي أن لفظ الناس استعمله في القرآن الكريم وأراد به البشر المتدنين في الإيمان والثقافة والمقتربين إلى الذنب والرذيلة. قال تعالى (١) : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ). وكلا الاستعمالين للناس هنا كذلك. والأعم الأغلب من الآيات القرآنية التي ذكرت الناس كذلك. فإذا استطعنا القول إن الأعم الأغلب يكون قرينة على غيره ، فيكون ذلك قرينة على أن المراد بهم في هذه السورة أيضا ذلك.
ولأن الله سبحانه وإن كان هو إله كل الناس وملك كل الناس ورب كل الناس ، بمختلف مستوياتهم ، إلّا أن الذي يقصد الاستعاذة هو الذي يشعر بالخوف ، وهم طبقة غير عالية في درجات اليقين.
سؤال : لما ذا كرر الناس عدّة مرات ، ولم يعد لهم الضمير في المرتين الأخيرتين (٢).
جوابه : مضافا إلى ما قلناه في أجوبة السؤال السابق من ضرورة حفظ النسق القرآني السيني أولا ، وبيان الاهتمام والتركيز على الناس ثانيا ، وحفظ السياق القرآني في السورة ثالثا. وحفظ الذوق العام اللطيف فيها رابعا.
مضافا إلى كل كذلك ، قال صاحب الميزان (٣) : (وبذلك يظهر وجه تكرار الناس من غير أن يقال : ربهم وإلههم وملكهم. فقد أشير إلى أن كلا من الصفات الثلاث ، يمكن أن يتعلق بها العوذ وحدها من غير ذكر الآخرين لاستقلالها) أي استقلاليتها في دفع الشر ، فكل واحد منها له استقلالية ، وإنما اجتمعت كلها لمزيد الرحمة والعطاء. ولو ذكر الضمير لكان المنظور جملة واحدة أو شيئا مجملا ، فاقدا للاستقلالية.
__________________
(١) آل عمران / ١٧٣.
(٢) كما لو قال : أعوذ برب الناس ملكهم وإلههم ...
(٣) انظر : ج ٢٠ ، ص ٣٩٦.