بالعدم. والعالم الخارجي إنما هو وجود ، وهو كله خير وليس بشر لأنه تعالى لم يخلق إلّا الخير.
وكان يمثل لذلك : إن شخصا ضرب بسكين فسال الدم. فوجود الدم خير ووجود اللحم خير ووجود الليونة في اللحم ، بحيث أصبح قابلا للقطع خير أيضا ، ووجود السكين خير ، وقدرة الضارب على الحركة خير. أما الشيء العدمي الذي هو شرّ ، فهو انفصال أحد الجزءين عن الآخر بالضربة. وكذلك الموت ، هو أمر عدمي ، لأنه انفصال الروح عن البدن.
وينتج من ذلك : إن الشر ما دام عدما ، فإنه لا تتعلق به القدرة والمشيئة وإنما تتعلق بما هو موجود. لأن العدم لا يمكن أن يوجد بما هو عدم. وعالم الخارج ليس صقعا للعدم ، وإنما هو صقع للوجود خاصة.
وهذا لا ينافي ما قلناه من أن الله تعالى على كل شيء قدير ، لأن العدم هنا ليس عدما محضا ، بالمعنى الفلسفي ، بل هو بمعنى النقص ، وإيجاد الناقص معقول ، من حيث كونه موجودا. فالله تعالى قادر على العدم بقدرته على الموجودات.
الرأي الثالث : إن الخير والشر أمران انتزاعيان ذهنيان. أو قل إنهما قيمتان أخلاقيتان مدركتان للذهن. وأما الخلقة الخارجية ، فلا خير ولا شر وإنما هي وجود.
والقيمة الأخلاقية الانتزاعية ، تختلف باختلاف الجانب الحاكم بتلك القيمة. ويوجد في باطن الإنسان عدّة ملاكات مقيّمة للأشياء ، لا أقل من أمرين :
الأول : العقل العملي. وهو حاكم عادل وكل قضاياه صادقة ، ركزه الله تعالى فينا لنفعنا وهدايتنا ، وليس فيه خطأ. وهو الذي يحكم بحسن العدل وبقبح الظلم.
وكان الشيخ المظفر (قدس سرّه) ينزله إلى معنى حكم العقلاء (١) ،
__________________
(١) راجع أصول المظفر ج ١ ص ٢٢٥.