ولكنني أراه فوق ذلك. بحيث لو زال العقلاء كلهم بقي ذلك الحكم صادقا في نفسه.
فالعدل يعود إلى الخير بهذا اللسان الذي نتكلم عنه. والظلم يعود إلى الشر بهذا اللسان أيضا.
الثاني : النفس الأمارة بالسوء. وهي حاكم باطل وكل قضاياها باطلة ، على العكس من العقل العملي. فهي ظالمة ومظلمة وليس فيها حق إطلاقا. وهي قد تصبح ربّا لصاحبها إذا (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)(١). فهذا التقييم الضال والمضل هو الذي أفسد البشرية من لدن آدم إلى يوم القيامة ، إلّا على تقادير من رحمة الله تعالى.
والفرق بين هذين المقيّمين أمور :
الأمر الأول : إن أحكام العقل محدودة في الأمور القطعية ، ولا أقل من حصول الاطمئنان العرفي بشيء بأنه عدل أو ظلم. وأما في صورة الشك والتعارض والتزاحم ونحوها ، فلا حكم للعقل.
ومن هنا قيل : إن العقل غير صالح بمجموع أحكامه لقيادة المجتمع البشري ، لأنه قليل الإحكام. في حين أن الفرد يحتاج في كثير من خصائص حياته إلى البتّ والفتوى في كثير من الموارد.
في حين أن النفس تتدخل في الصغيرة والكبيرة ، وتحكم على أي شيء يطرأ عليها. فأحكام العقل أقل من أحكام النفس.
الأمر الثاني : إننا نجد نحو عداوة بين العقل والنفس وتنافيا في أحكامها. فما ترغب النفس يمجّه العقل وما يمجه العقل ترغب به النفس.
بل يمكن القول إن كل ما هو عدل في العقل العملي ، هو على خلاف حكم النفس. وكل ما هو وفق الشهوة النفسية ، بما فيها المحرمات والمكروهات ، فهو ظلم بنظر العقل ، بطبيعة الحال.
__________________
(١) الفرقان / ٤٣ والجاثية / ٢٣ ...