الباقين ، ولا يعجزه إباق الهاربين ، وعند حلوله يأسر أهل الهوى ، يهدم كل لذة ، ويزيل كل نعمة ، ويقطع كل بهجة ، والدنيا دار كتب الله لها الفناء ولأهلها منها الجلاء فأكثرهم ينوي بقاءها ، ويعظم بناءها ، وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب ، والتبست بقلب الناظر ، وتضني ذو الثروة الضعيف ، ويحتويها الخائف الوجل ، فارتحلوا منها يرحمكم الله بأحسن ما بحضرتكم ، ولا تطلبوا منها أكثر من القليل ، ولا تسألوا منها فوق الكفاف ، وارضوا منها باليسير ، ولا تمدن أعينكم منها إلى ما متع المترفون به ، واستهينوا بها ولا توطنوها ، وأضروا بأنفسكم منها ، وإياكم والتنعم والتلهي والفاكهات ، فان في ذلك غفلة واغترار ، ألا إن الدنيا قد تنكرت وأدبرت واحلولت وآذنت بوداع ، ألا وإن الآخرة قد رحلت فأقبلت وأشرفت وآذنت باطلاع ، ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار ، ألا فلا تائب من خطيئة قبل يوم منيته ، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه وفقره ، جعلنا الله وإياكم ممن يخافه ويرجو ثوابه ألا إن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا ، وجعلكم له أهلا ، فاذكروا الله يذكركم ، وادعوه يستجب لكم ، وأدوا فطرتكم فإنها سنة نبيكم ، وفريضة واجبة من ربكم ، فليؤدها كل امرئ منكم عن نفسه وعن عياله كلهم ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم وحرهم ومملوكهم عن كل إنسان منهم صاعا من بر ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، وأطيعوا الله فيما فرض عليكم وأمركم به من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم وأطيعوا الله فيما نهاكم عنه من قذف المحصنة وإيتاء الفاحشة وشرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان وشهادة الزور والفرار من الزحف ، عصمنا الله وإياكم بالتقوى ، وجعل الآخرة خيرا لنا ولكم من الأولى ، إن أحسن الحديث وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله العزيز الحكيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قُلْ هُوَ اللهُ