أما الصحيحة الأُولى ، فلما مرّ وهو في محله كما عرفت. وأما الصحيحتان الأخيرتان ، فلأنهما لم تردا في مقام بيان تشريع السجود على القرطاس حتى ينعقد الإطلاق ، بل النظر فيهما مقصور على عدم مانعية الكتابة عن السجود على ما يصح السجود عليه من أنواع القرطاس ، فليس الامام عليهالسلام إلا بصدد الذب عما تخيّله السائل من مانعية الكتابة ، وأنّه لا فرق بين المكتوب وغير المكتوب فيما يصح السجود عليه ، وأما أنّ مصداق ما يصح أيّ شيء فلم يكن عليهالسلام في مقام بيانه كي يتمسك بإطلاق كلامه.
وعليه فلا بد من الاقتصار على المقدار المتيقن ، رعاية لما دلّ على المنع عن السجود على غير الأرض ونبتها ، وحينئذ فان منعنا عن السجود على القطن والكتان اختياراً اختص الحكم بالمتخذ من نبات غيرهما كالحشيش ونحوه ، وإلا عمّهما أيضاً. وعلى أيّ حال فلا يشمل الحكم ما اتخذ من غير النبات كالصوف والحرير فضلاً عن الشمول لمطلق النبت وإن لم يصح السجود عليه.
وفيه أوّلاً : أنه لا ينبغي الريب في خروج القرطاس عن حقيقة ما اتخذ منه كائناً ما كان واستحالته إلى حقيقة أُخرى ، فهو بالفعل مباين مع مادته في نظر العرف وموجود آخر في قبالها لا يصدق عليه الأرض ولا نباتها ، وإن كانت المادة متخذة منها ، فلا وجه لمراعاة كونها مما يصح السجود عليه بعد تغيّر الصورة النوعية وتبدلها إلى حقيقة أُخرى ، ألا ترى أنّه لو صنع من قرطاس متخذ من الحرير ثوب فإنه يجوز لبسه والصلاة فيه ، لعدم كونه عرفاً من مصاديق الحرير.
على أن حمل هذه النصوص الواردة في القرطاس على المتخذ مما يصح السجود عليه ، حمل على الفرد النادر بعد ملاحظة المنع عن السجود على القطن والكتّان كما هو الأقوى على ما عرفت ، فانّ الغالب صنعه منهما دون مثل الحشيش ونحوه الذي هو فرد نادر.