وأما الأول فهو أيضاً باطل ، لمنافاته مع النصوص الناطقة بجواز ترك الأذان والكاشفة عن عدم الدخل في الحقيقة كما تقدم (١). فلا جرم يتعيّن الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى أنّ الصلاة من دون الأذان أو من دون الإقامة فاقدة لصفة الكمال ، وكأنّها لأجل قلّة ثوابها تستوجب نفي الحقيقة عنها بقولنا « لا صلاة » ولو على سبيل الادّعاء والتنزيل.
إذن فالموثقة لأن يستدل بها على استحباب الإقامة أولى من أن يستدل بها على الوجوب.
ومنها : النصوص الدالة على اعتبار الطهارة والقيام وعدم التكلم في صحة الإقامة كصحيح الحلبي : « ... ولا يقيم إلا وهو على وضوء » (٢) ، وصحيح محمد ابن مسلم : « ... ولا يقيم إلا وهو قائم » (٣).
فإنها لو كانت مستحبة لما أضرّ بها تخلّف شيء من ذلك ، كما لا يضرّ تخلفها في الأذان ، إذ لا معنى للزوم رعاية قيد في عمل يجوز تركه من أصله. فالاعتبار المزبور كاشف عن اللزوم.
وفيه : مع أنّ اعتبار عدم التكلم غير واضح ، لمعارضة النصوص في ذلك وستعرف أنّ الأظهر الجواز لا سيّما إذا تكلم بما يعود إلى الصلاة كتقديم إمام للجماعة ونحو ذلك ، أنّ اشتراط شيء في صحة عمل لا يكشف عن وجوب ذلك العمل بوجه ، للفرق الواضح بين الوجوب الشرطي والوجوب النفسي. ألا ترى اشتراط النوافل بجملة من شرائط الفرائض كالطهارة والإباحة والستر والاستقبال ما لم يكن ماشياً ، مع جواز ترك النافلة من أصلها.
ومنها : النصوص الدالة على أنّ الإقامة من الصلاة ، فإنّ التنزيل كاشف عن الوجوب ، كقول الصادق عليهالسلام في رواية أبي هارون المكفوف : « يا أبا
__________________
(١) في ص ٢٢٩.
(٢) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٢.
(٣) الوسائل ٥ : ٤٠٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٥.