ومن المعلوم أنّ حكم العقل من دون إدراك الشّيء ولو ظنّا ممّا لا يعقل ، وإنّما يتصوّر التّعبد في المجعولات الشّرعيّة ؛ فإنّه يمكن أن يجعل الشّارع أمرا واجب الاتّباع وإن لم يحصل الظّن منه ولو نوعا. كما قد يدّعى وقوع هذا النّحو من الجعل بالنّسبة إلى جملة من الأمور كالقرعة ونحوها. وأمّا في المجعولات العقلائيّة والطّرق المعتبرة عندهم فلا.
وممّا ذكرنا كلّه تعرف : النّظر فيما وقع في كلام جماعة ممّن قارب عصرنا من تقسيم التّعبّد إلى الشّرعي والعقلي. والقول : بأنّ مرادهم هو الظّن النّوعي فاسد جدّا ؛ لأنّهم ذكروه في مقابله فراجع إلى كلماتهم حتّى تقف على حقيقة الأمر.
ثالثها : أن يكون مراده من المقتضي : هو الواسطة في الإثبات ، بمعنى السّبب لا العلّة التّامة له ولا السّبب للثّبوت ؛ لأنّ الاطّلاع عليه في الأحكام الشّرعيّة أوّلا وبالذّات نادر جدّا ، بل غير واقع إلاّ في الأحكام الشّرعيّة المبنيّة على الأحكام العقليّة.
نعم ، يمكن الاطّلاع عليه إجمالا بعد الاطّلاع على الحكم المسبّب عنه ، وليس المقتضي للعلم بالحكم الشّرعي بالمعنى المذكور إلاّ دليل يقتضي بعمومه أو إطلاقه وجود الحكم في الزّمان الثّاني ، فيكون المراد من المعارض حينئذ هو احتمال وجود المخصّص ، أو المقيّد.
وممّا يشهد على كون مراده من المقتضي والمعارض ما أشرنا إليه : ما ذكره في طيّ كلماته من قوله : ( والّذي نختاره : أن ننظر إلى دليل ذلك الحكم ... إلى