(٨٠) قوله : ( إنّ الثّابت في الزّمان الأوّل ممكن الثّبوت ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٨٦ )
الوجه الثالث للقول الأوّل
أقول : حاصل هذا الدّليل كما لا يخفى على من راجع إليه يرجع : إلى أنّ تجويز البقاء واحتمال وجود الشّيء في ثاني الزّمان يلازم إمكان وجوده فيه بضرورة العقل ؛ حيث إنّ الممتنع الذّاتي ما لم يحتمل عند العقل وجوده فإذا كان وجوده ممكنا في الزّمان الثّاني بالنّظر إلى ذاته ، فكلّ من وجوده وعدمه يحتاج إلى مؤثّر لا محالة ؛ لاستحالة اقتضاء الممكن بالنّظر إلى ذاته أحدهما ، وإلاّ يخرج عن كونه ممكنا وهو محال. فحينئذ إن وجد هناك ما يقتضي الوجود فيه فهو ، وإن وجد ما يقتضي العدم وهو عدم وجود مقتضي الوجود مسامحة في الإطلاق فكذلك. وإن لم يعلم بوجود أحدهما فيحكم بالبقاء ظنّا.
فالمقصود من قوله : ( فيثبت بقاؤه ما لم يتجدّد مؤثّر العدم ... إلى آخره ) (١) : هو أنّه إذا لم يتجدّد مؤثّر العدم قطعا بأن وجد مؤثّر الوجود كذلك يحكم بالوجود ؛ لأنّ المفروض أنّ الممكن بالنّظر إلى ذاته لا يقتضي العدم ، وإلاّ لزم المحذور المزبور. والمفروض أنّه لم يوجد مؤثر العدم فلا بدّ من الحكم بالوجود ؛ لأنّ عدم وجود مؤثّر العدم لا ينفكّ عن وجود مؤثّر الوجود ؛ حيث إنّ مؤثّر العدم هو عدم علّة الوجود فإذا فرض عدم مؤثّره فلا بدّ من وجود مؤثّر الوجود ، وإلاّ لزم ارتفاع النّقيضين. هذا محصّل توجيه هذا الدّليل.
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٨٦.