بيان المراد من العقل المستقل وغير المستقل
أقول : لا يخفى عليك أنّ من التّقسيم المسلّم عندهم للدّليل العقلي في الأدلّة العقليّة تقسيمه : إلى المستقلّ وغيره. وليس المراد بغير المستقل كما ربما يتوهّمه الجاهل : كون العقل غير مستقلّ في الحكم في القضيّة الّتي يحكم فيها إنشاء ، أو إدراكا ؛ ضرورة عدم معنى له أصلا بل المراد به : أنّه لا يتوصّل به فقط إلى الحكم الشّرعي ، بل يحتاج في التوصّل إلى ضمّ مقدّمة أخرى : غير حكم العقل ، وإن كان مستقلاّ فيما يحكم به.
فإنّهم بعد تعريف الدّليل العقلي ـ : بأنّه حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعيّ ، ووجدان عدم التّوصل بحكم العقل فقط من دون ضمّ مقدّمة إليه إلى الحكم الشّرعي في بعض موارد حكمه ـ ألجئوا إلى التّقسيم المذكور ، ومثّلوا للمستقلّ : بالتحسين والتّقبيح العقليّين على القول بكون الملازمة عقليّة. ولغير المستقلّ : بالاستلزامات كوجوب المقدّمة ، وحرمة الضّد ، والمفاهيم بناء على كون الدّلالة من الالتزام الغير البيّن ، أو البيّن بالمعنى الأعمّ ، لا البيّن بالمعنى الأخصّ ؛ فإنّه على التقدير المذكور من مداليل اللّفظ عند الأصوليّين.
ولذا عنونها غير واحد في باب الألفاظ ، وإن كان على التّقديرين الأوّلين أيضا : من دلالة اللّفظ عند المنطقي المخالف للاصطلاح في دلالة اللّفظ مع الأصولي ؛ فإنّ العقل في الاستلزامات مثلا إنّما يحكم : بثبوت التّلازم بين وجوب الشّيء ووجوب ما يتوقّف عليه ، ويحكم بالحكم الإدراكي : بأنّ طالب الشّيء