عدم جريان الإستصحاب في الحكم العقلي
من حيث عدم تصوّر الشك فيه
ثمّ إنّ الكلام في المقام حسب ما صرّح به الأستاذ العلاّمة ليس في اعتبار الاستصحاب في الأحكام العقليّة بعد تحقّق موضوعه ، بل إنّما الكلام في أصل تحقّق موضوعه ، فنقول :
إنّه لا إشكال ولا ريب في أنّه يشترط في تحقّق موضوع الاستصحاب وصدقه : كون القضيّة المشكوكة عين القضيّة المتيقّنة من جميع الجهات المأخوذة فيه ، إلاّ أنّ الفرق بينهما كون المحمول في القضيّة المتيقّنة متيقّن الثّبوت للموضوع المفروض فيها ، وفي القضيّة المشكوكة مشكوك الثّبوت بحيث يصدق على الحكم بالمحمول في القضيّة المشكوكة : أنّه إبقاء للحكم وإثبات له في موضوعه الأوّلي على ما هو معنى الاستصحاب حسب ما عرفت تفصيل القول فيه سابقا ، فالاستصحاب لا يصدق أبدا ، إلاّ على تقدير كون الشّك في الزّمان الثّاني متعلّقا ببقاء المحمول مع القطع بوجود الموضوع.
ومن المعلوم ضرورة عند ذوي الأفهام المستقيمة والعقول الكاملة : أنّ القضايا العقليّة كلّها مبيّنة ومفصّلة لا يمكن عروض الشّك فيها من حيث المحمول أبدا ؛ لأنّ العقل لا يحكم بشيء ، إلاّ بعد الإحاطة بجميع ما له دخل في وجوده من الأعدام والوجودات المقتضية له اقتضاء العلّية التّامة الّتي يمتنع انفكاك المعلول عنها ، وإلاّ لا يعقل له الحكم به ؛ لأنّ احتمال مدخليّة شيء فيه مع عدم إحرازه