صحيحا وإن فرض كونه من أحكامه ؛ حيث إنّ مفاد البراءة ليس نفي التّكليف حتّى يترتّب عليه حكمه ، بل مجرّد المعذوريّة والتّرخيص في مرحلة الظّاهر ، وليس الأمر كذلك على القول بعدم الجعل ؛ فإنّه ينتزع من التّرخيص في مرحلة الظّاهر كما ينتزع من التّرخيص في مرحلة الواقع.
ولا يتوهّم كشف عدم الوضع عن البراءة أيضا ؛ حيث إنّها ليست إخبارا عن عدم الجعل حتّى يكون كاشفا عن عدم جعل الوضع بناء على عدم التّفكيك بينهما ، إلاّ أنّه لا يتفرّع عليه شيء لما عرفت في الجزء الثّاني : من فساد التّفريع المذكور ، مع أنّه على القول بالجعل يرجع إلى أصالة العدم فيحكم بعدم وجوب الاحتياط من هذه الجهة فتأمّل.
(١٢٠) قوله قدسسره : ( هذا كلّه مضافا إلى أنّه لا معنى لكون السّببيّة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ١٢٩ )
أقول : ما ذكره ( دام ظلّه ) إشارة إلى ما عرفت منّا في والمقام الثّاني : من استحالة تعلّق الجعل بالحكم الوضعي ، وأنّ كلّ قضيّة ظاهرها ذلك لا بدّ من صرفها عنه إلى ما يوافق ما ذكرنا.
وأمّا خصوصيّة مذهب الأشاعرة بالنّسبة إلى مذهب العدليّة من الإماميّة والمعتزلة ـ مع أنّ برهان الاستحالة لا يفرّق فيه بين المذهبين كما لا يخفى على من له أدنى دراية ـ : هي أنّه على مذهب الأشاعرة لمّا لم يكن الأحكام منوطة بالمصالح والمفاسد الكامنة فليس على مذهبهم هناك غير التّصور والطّلب.
وأمّا على مذهب العدليّة فلمّا كان هناك شيء آخر فربّما يقع من جهته بعض من لا خبرة له في توهّم : أنّ الحكم الوضعيّ لا يمكن أن يكون انتزاعيّا تخيّلا منه :