الدليل الظني المعتبر ليس رافعا لموضوع
__________________
« وفيه : ما عرفت من الأخذ بالمقتضي الذي هو الإستصحاب عندنا وهو الشرط عنده لاختياره حجّيّته عند الشك في الرّافع خاصّة لا يتحقّق إلّا مع عموم الدليل ؛ لما عرفت : من انّ عمومه عبارة عن تماميّة الإقتضاء لا غير ، ولهذا لم يتحقّق التعارض بين العمومات وأدلّة الموانع في شيء من الأبواب.
وأمّا مع قصور الدليل عن إفادة هذا المعنى فضلا عن عدم إحراز الموضوع فلا معنى للإستصحاب.
وأمّا توهّم جريان الإستصحاب فيه من الأمثلة لا يخلو عن أحد الأمرين ؛ فإن تردّد أمر الليل بين الإستتار وذهاب الحمرة مرجعه إلى الجهل بالموضوع ، وكذا لو تردّد الأمر بين ان يكون للتغيير عنوانا يدور مداره كالخمر وبين أن يكون التغيّر كاشفا عن زوال الإعتصام وكون الموضوع هو الماء والملاقاة شرطا والكرّيّة مانعة ؛ فإن عدم جريان الإستصحاب حينئذ أيضا من الواضحات ؛ لعدم تبيّن الموضوع ؛ فإن زوال التغيّر من قبل نفسه ليس مزيلا بالضرورة وأمّا إذا كان الدليل لبّيّا لم يثبت به الّا الحكم على وجه الإهمال فهو أيضا لا يخلو عن الشك في المقتضي والموضوع.
فتبيّن انه لا إشكال في عدم جريان الإستصحاب في القسم الثالث ، فلا إشكال في ان الإستصحاب إنّما يجري في القسم الأوّل الدّال على العموم بمعنى تماميّة الإقتضاء كقولك : ( اكرم العلماء على كلّ حال وفي كلّ زمان ) ؛ فإنه لا يدل إلّا على عدم مدخليّة شيء في اقتضاء العلم للإكرام.
وأمّا انه لا شرط له أو لا يمنع عنه مانع فلا ، ولهذا لا ينافي العموم ذكر شرط أو بيان مانع كقولك : ( إن كانوا عدولا ) و ( لا تكرم الفاسق ) فهل يتوهّم أحد أن عموم حجّيّة فتوى الفقيه ينافي اعتبار الايمان والعدالة وطهارة المولد أو منع الفسق عنه؟! إنتهى.
أنظر محجة العلماء : ٢ / ٢٩٢.