الكلام في المقام الأوّل
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى التّكلم في المقامات الثّلاثة ، فنقول :
أمّا الكلام في المقام الأوّل فملخّصه : أنّه قد يقال ـ بل قيل ـ : إنّ القرعة من الأمارات الجليّة بمعنى : أنّ أماريّتها بجعل الشارع كالاستخارة ، فأماريّتها إنّما هي بملاحظة ما وصل من الشّارع في شأنها أنّ الله تبارك وتعالى بعد تفويض الأمر إليه يرشد العبد إلى الواقع ، لا ممّا يكون أماريّتها بالوجدان مع قطع النّظر عن الشّارع كأكثر الأمارات في الأحكام والموضوعات مستشهدا على ذلك بما ورد في القرعة من الأخبار ؛ فإنّ ظاهر أكثرها ـ كما لا يخفى على من أعطي حقّ النّظر فيها ـ يعطي هذا المعنى.
فالقرعة إذن مثل البيّنة في كونها من الأمارات ، لا مثل أصالة الطّهارة والحليّة ونحوهما من الأصول ؛ فإنّ تسميّة الشّيء دليلا وأمارة في الاصطلاح مبنيّة على كونه ناظرا إلى الواقع بالذّات أو بجعل الشارع ، مع كون الوجه في اعتباره جهة نظره إلى الواقع ، هذا بالنّسبة إلى ما كان له واقع مجهول للمكلّف لا إشكال فيه.
أمّا بالنّسبة إلى ما لا يتعيّن له واقع فربّما يتراءى في باديء النّظر عدم تصوّر الطّريقيّة الجليّة فيه من حيث عدم وجود واقع مجهول فيه بالفرض ؛ إلّا أنّه يمكن تصوّر الطّريقيّة فيه بعد التّأمّل أيضا ؛ فإنّه وإن لم يكن فيه واقع مجهول ، إلّا أنّه يحتمل أن يكون هناك أمور أوجبت أحقّيّة أحد الطّرفين بالتّقديم بالنّسبة إلى