التوجيه الثاني والفرق بينه وبين التوجيه السابق
أقول : الفرق بين هذا الوجه وسابقه ممّا لا ينبغي أن يخفى على ذي مسكة ، فإنّ المستصحب في الأوّل هو الوجوب القدر المشترك بين النّفسي والغيري ، وفي هذا التّوجيه المستصحب هو الوجوب النّفسي.
وأمّا الفرق بينه وبين التّوجيه الأخير فهو : أنّ المستصحب في هذا التّوجيه هو نفس الوصف القائم بالمحلّ نظير استصحاب كرّيّة ، الماء المشكوك كريّته ولذا يحتاج إلى جعل معروض الوجوب النّفسي بحكم العرف هو غير الجزء المفقود ،
__________________
بالكرّيّة في الحالة السابقة ، فإن كنت إبنا للدليل فاسلك في سواء السبيل ولا تكن على إثبات العليل الوكيل ، والمسلّم من مسامحة العرف عن الجزء المفقود هو الجزء المشكوك المدخليّة في الإتصاف لا ما علم مدخليّته ، ولذا تراهم لا يتسامحون عن الجزء القليل من الماء المفقود من الكر ، فلا يجرون على الباقي أحكام الكرّ ، ولو كان الباقي فاقد القليل فينبغي تنظير ما نحن فيه بكرّ فقد مقدارا ولو قليلا منه ، فإن سامح العرف عنه واستصحبوا أحكام الكرّ ففي ما نحن فيه أيضا كذلك.
ولعمري إن هذا المثال مما يفتضح به التوجيه المذكور لاستصحاب وجوب الجزء.
ثم اعلم ان الفرق بين هذا التوجيه والثالث الآتي على ما يظهر مما يأتي من كلامه وتنظير هذا بالكرّيّة المستصحبة والثالث الآتي بالكرّ المستصحب : هو ان المستصحب في هذا هو الوجوب النفسي وفي الآتي معروضه ، مع انه صدر التوجيهين بالعكس ، فصدّر هنا بمعروض الوجوب النفسي وفي الآتي باستصحاب الوجوب النفسي بحيث يتوهّم ، بل يفهم لو لا التنظير العكس والحريّ بما أراده هو العكس ، فإن فهمت مقاصدي بالإشارة فطوبى لك بالبشارة » إنتهى. أنظر الفرائد المحشّي : ٣٩٧.