فتبيّن ممّا ذكرنا : أنّ جعل استصحاب الموضوع مقدّمة لإجراء الاستصحاب في المحمول ممّا لا معنى له في الفرض ، بل ذكر الأستاذ العلّامة : أنّ الأمر بالعكس ؛ فإنّ الموضوع الّذي لم يثبت له حكم شرعيّ لم يكن معنى لجريان الاستصحاب فيه بناء على ما عرفت سابقا : من أنّ معنى التّنزيل الشّرعي في الموضوعات الخارجيّة ليس إلّا جعل آثارها الشّرعيّة ظاهرا وإيجاب الشارع الالتزام بها ، فلا بدّ أوّلا من جريان الاستصحاب في حكم الكرّيّة في الشّريعة على تقدير الشّك فيه ، ثمّ إجراء الاستصحاب في الكريّة ، وإلّا لم يكن معنى لإجراء الاستصحاب في الكرّيّة فصار الأمر في هذا القسم على عكس ما يتوهّم.
فإن قلت : لم لا يكون تقدير الحكم للموضوع كافيا في استصحابه ، كما كان الموضوع التّقديري كافيا في استصحاب الحكم حسب ما بنيت عليه الأمر في تصحيح استصحاب الحكم في مفروض البحث ؛ فإنّه لا يعقل فرق بين المتوقّفين في كفاية التّقدير ؛ فإنّ التّوقف موجود بالنّسبة إلى كلّ منهما ، فإن كانت قضيّة وجود المتوقّف عليه محقّقا فيلزمه القول بفساد إجراء الاستصحاب في الفرض ، وإن كانت قضيّة كفاية التّقدير ، فتقدير ترتّب الحكم يكفي في إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الموضوع ، ولا يشترط في جريانه ترتيب الأثر الشّرعي عليه فعلا.
قلت : الفرق بين المقامين ممّا لا يكاد أن يخفى ؛ فإنّ مجرّد تقدير ترتّب الأثر الشّرعي لا يكفي للحكم بجريان الاستصحاب بالنّسبة إلى الموضوع الّذي معناه جعل آثاره الشّرعيّة ظاهرا ؛ فإنّ هذا ممّا لا بدّ فيه من أثر محقّق ، وهذا بخلاف إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم إذا لم يكن الشّك فيه مسبّبا عن الشّك في بقاء الموضوع ؛ فإنّه لا إشكال في كفاية تقدير الموضوع لإجراء