عدم احتمال بقاء الحكم الشّرعي في موضع الدّوران ؛ فإنّ العلم الّذي يكون معتبرا في الحكم والإنشاء إنّما هو علم الحاكم لا علم غيره ، فإذا كان الحاكم العقل فلا بدّ في حكمه من علمه بما هو المناط له في زمان الحكم. وإن كان الحاكم الشّرع فالمعتبر هو علمه لا علم المكلّف. ومن المعلوم أنّ تحقّق الموضوع وبقاءه عنده ممّا هو محتمل قطعا ، فيحتمل وجود حكمه أيضا فكون العلم مأخوذا في موضوع حكم العقل لا ربط له بالمقام ، ولا يمنع من الشّك في بقاء الحكم الشّرعي كما هو ظاهر.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الكلام إنّما هو بعد فرض عروض الشّك في الموضوع للعقل من أوّل الأمر ، وأنّه لا يدرى بأيّ موضوع تعلّق حكمه ، وإلّا فقد عرفت : أنّ الشّك في معروض الحكم ، وأنّه أيّ شيء ممّا لا يعقل عند العقل فتدبّر.
لا يقال : كيف يدّعى أخذ العلم في موضوع حكم العقل وأنّه لا واقعيّة له حتّى يشكّ في بقائه وعدمه ، مع أنّ من المشاهد المحسوس شكّنا كثيرا في وجود المصالح والمفاسد في الأفعال المقتضية لحكم الشارع؟
لأنّا نقول : قد اشتبه عليك الأمر في حكم العقل ؛ فإنّ المراد من حكم العقل في المقام ليس هو المصالح والمفاسد الكامنة في الأشياء الباعثة على حكم الشارع ؛ فإنّها من ذاتيّات الأشياء ، ومن الأمور الثّابتة في الواقع بحيث لا ربط للعقل فيها أصلا ، وإنّما المراد من حكم العقل في المقام : هو ما ذكروه في مسألة التّحسين والتّقبيح وجعلوه محلّا للنّزاع ثبوتا وعدما وكونه دليلا على حكم الشارع على تقدير الثّبوت أم لا ، الّذي قسّموه إلى أقسام خمسة من الاقتضائي والتّخييري. ومن المعلوم أنّ هذا إنشاء محض من العقل لا واقعيّة له أصلا.