المعنى شيء آخر ، فيمكن أن يراد من الزّاني والقاتل ـ مثلاً ـ معناهما الحقيقي ، وهو الموصوف بهما ، ويحكم عليه بوجوب الحدّ ، أو القتل مع تقييد ظرف الامتثال بحال انقضاء المبدأ .
لكن فيه : أنّه مستلزم للتّكليف بغير المقدور ، وموجب لإعادة ما هو المحذور ، ضرورة عدم إمكان هذا المعنى بعد انقضاء المبدأ ، إذ المفروض قوامه بقيام المبدأ ، فكيف يعقل بقاؤه بعد انقضائه .
والّذي يقتضيه التحقيق : أن يوجّه إطلاق المشتق في المفروض ، بحيث لا يستلزم المحذور المذكور ، بأنّه مستعمل في المتلبّس بالمبدأ حال تلبّسه به ، لكن الحكم لم يتعلّق بالذّات المطلق هو عليها بهذا العنوان ، حتى يكون الموضوع حقيقة هو هذا العنوان ، فيعود المحذور ، بل علّق على الذّات بشرط حصول الاتّصاف لها بالعنوان المذكور ، مع عدم اعتبار بقاء الاتّصاف ، فيكون موضوع الحكم هو الذّات لا العنوان ، أو هي مقيدة به ، ويكون النّكتة في تعليق الحكم على العنوان المذكور في الظّاهر ، مع أنّ موضوعه هي الذّات واقعاً ، تعريف الذّات الّتي هي موضوع لهذا الحكم بهذا العنوان ، مع التّنبيه على مدخليّة هذا العنوان في ثبوت الحكم المذكور ولو بنحو السّببيّة في الوجود ، فإنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بسببيّة هذا الوصف وجوداً لا محالة (١) . وإنّما الخلاف في أنّه يفيد السببيّة في جانب العدم ، بأن
___________________________
(١) ومن هنا ظهر جواب آخر عن القائلين بكون المشتق حقيقة في الأعم من حال التلبّس الشامل للماضي في احتجاجهم ، بأنّه لولا ذلك لما صحّ التمسّك بآيتي الزنا والسرقة على وجوب الحدّ على من انقضى عنه المبدأ .
وملخّص الجواب أن هذا يرد على تقدير كون العنوان قيداً لموضوع الحكم وواسطة في العروض ، والأمر ليس كذلك ، فانّ العنوان علة الثبوت والمفروض إنما هو الذّات باقية بعد زوال العنوان .
وقد يقرّر هذا الاستدلال بنحو آخر ، وهو أنّه لولا ذلك لما صحّ الاستدلال بالآيتين على وجوب حدّ الزاني والسارق مطلقا ، لانصرافهما إذن بمقتضى الوضع إلى من تلبّس بالزنى والسرقة حال نزول الآية ، فلا يندرج غيرهم فيها ، والتالي باطل ، وهذا التقريب مبنيّ على حمل المشتق في الآيتين على حال النطق .
والجواب عنه اوّلاً : أنّ المراد بالمشتق إذا وقع محكوماً عليه كما في الآيتين المتلبّس بالمبدأ مع قطع النظر عن حصوله في أحد الأزمنة ، فيعم الأفراد المتحققة في الماضي والحال والمقدَّرة .
وثانياً : أنّ ذلك لو تمّ لدلّ على بطلان الوضع باعتبار حال النطق ، ولا يلزم منه الوضع للأعم ، لثبوت الواسطة ، وهي ما اخترنا من وضعه باعتبار حال التلبّس .
=