وعن ثانيها : فأوّلاً : بمنع الحكم في المقيس عليه كما عرفت .
وثانياً : بأنّ هذا قياس ولم يقل أحد باعتباره .
وعن ثالثها : فأوّلاً : بمعارضته لما ادّعى ابن جني من الغلبة المنافية له كما عرفت .
وثانياً : بأنّه إن كان المراد بالغلبة غلبة استعمال الألفاظ في المعاني الحقيقية في الاستعمالات المجردة عن القرينة ، فهي مسلّمة ، لكنها لا تجديه ، لأن الكلام فيما نحن فيه فيما إذا استعمل في معنيين ، وعلم المراد بالقرائن ، وشككنا في أنّ المتكلم هل لاحظ في هذا الاستعمال الوضع ، أو لاحظ القرينة ؟ وبالجملة فالغلبة المذكورة ـ حينئذ ـ غلبة خاصّة لصنف خاص ، فلا توجب إلحاق المشكوك من صنف آخر بحكم أفرادها الغالبة ، وإن كان المراد غلبته في الاستعمالات المحفوفة بالقرائن فهي ممنوعة .
وثالثاً : أنّ هذا استدلال بغلبة الحكم في تشخيص الموضوع في الشبهة الموضوعية ، ولا ريب أنّه لا يثبت بها اندراج الفرد المشكوك بالغالب .
بيانه : إنّ غلبة الحكم هي أن تجد غالب الأفراد على صفة ، وتشكّ في فرد آخر ، من جهة اتصافه بذلك الحكم والصفة ، كأن تجد غالباً تمر البصرة مثلاً على صفة الحمرة ، وتشكّ في فرد آخر من التمر ، من جهة اتصافه بصفة الحمرة وعدمه ، فحينئذ إن علم ماهية ذلك الفرد المشكوك الصفة ، بأن علم أنّه تمر بصريّ أيضاً بأمارة خارجية من غلبة الموضوع ، كأن يكون الغالب في التمر أيضاً بصريّاً ، فيلحق الفرد المشكوك الصفة أوّلاً بتمر البصرة ، ويحرز كونه بصريّاً بذلك أو بأمارة أخرى غير الغلبة ، فحينئذ يجوز التمسك بغلبة الحكم في إثبات حكم الأفراد الغالبة من تمر البصرة من الحمرة للفرد المشكوك الصفة .
وبعبارةٍ اُخرىٰ ، التمسك بغلبة
الحكم على ثبوت ذلك للفرد المشكوك الحكم ، إنّما يصح إذا كان الشك في حكم الفرد ناشئاً من الشك في ثبوت الحكم المذكور للكلي المشترك بينه وبين الأفراد الغالبة ، مع إحراز ماهية الفرد المشكوك الصفة ، بأن
علم اتحاده بالأفراد الغالبة في الماهية المشتركة بينها ، لكن وقع الشك في أنّ صفة الحمرة
في المثال المذكور ، هل مختصة بالأفراد الغالبة ؟ أو أنّها ثابتة للماهية المشتركة
بينها وبين ذلك الفرد ؟ فيثبت لذلك الفرد أيضاً ، لوجود الماهية في ضمنها أيضاً ، فحينئذ يحكم
بمقتضى الغلبة قطعاً ، إن أفادت القطع أو ظناً إن أفادته ، دون القطع ، بثبوت الحكم
المذكور