والايراد الثاني ، فقد عرفت الجواب عنهما. وأما الايراد الثالث ، فقد تخلص منه شيخنا بجعل المعظم من قبيل الكلي في المعيّن نظير الصاع من الصبرة ، ونظّر ذلك بالكلام المؤلّف من حروف الهجاء. والأولى تنظيره بالكلم ، فانهم ذكروا أن تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف من تقسيم الكلي إلى أفراده وجزئياته. وتقسيم الكلم إلى هذه الثلاثة كما قاله ابن مالك : واسم وفعل ثمّ حرف الكلم (١) ، من تقسيم الكل إلى أجزائه التي يتركب من مجموعها لا من جميعها ، بمعنى أن الكلم يتكون من هذه الثلاثة ، سواء كان مركبا من الثلاثة أو من الاثنين أو من الواحد ، بأن يكون مؤلفا من ثلاثة أسماء. وإلى ذلك يرجع قولهم : إنّ الكلم اسم جنس جمعي ، بمعنى أن اسم الجنس يصدق على الواحد والكثير ، لكن خصوص هذا الجنس وهو الكلم لا يكون إلاّ عند اجتماع ثلاثة من هذه الأقسام.
إذا عرفت ذلك فقس الصلاة على الكلم ، وقل إنّ لنا أجزاء متعددة وهي التكبير والقراءة والركوع والسجود إلى آخر الأجزاء. والصلاة تتكون من هذه الأجزاء سواء كانت واجدة للجميع أو كانت واجدة للبعض ، لكن بشرط أن يكون ذلك البعض ذا أهمية ويكون هناك تركيب معتنى به ، وعبّروا عن ذلك بمعظم الأجزاء أو بما يكون مصحّحا للتسمية.
وعلى كل حال فلا بدّ في الصلاة من اجتماع مقدار من تلك الأجزاء ويكون هناك تركيب منها ، وإن لم يكن الحاصل في ذلك المركب هو معظم تلك الأجزاء أو أغلبها ، وإنما المدار في ذلك على صحة التسمية ، وهي منوطة بالتركيب على وجه يكون فيه روح تلك العبادة الذي هو الخضوع
__________________
(١) شرح ابن عقيل ١ : ١٣.