قلت : قد يتوهم تحقق الملازمة بين التجوزين حتى لو قلنا بالبساطة التي هي مختاره قدسسره بتخيّل أنّه لا ريب في دلالة هيئة المشتق على أخذ العرض عرضيا ، ولا ريب أنّ مثل الجريان إنّما يكون عرضيا بالنسبة إلى ما هو له ، وأمّا بالنسبة إلى غير ما هو له فلا يكون عرضيا له إلاّ بنحو من ذلك التجوز العقلي.
ولكن لا يخفى أنّ مفاد هيئة المشتق إنما هو كون العرض عرضيا ، ولا ريب أن هذا المعنى متحقق في مثل النهر جار ، وإنما وقع التجوز في مفاد الجار والمجرور من قولنا عرضيا له ، ولا ربط لهذا المفاد بمفاد هيئة المشتق ، وإنما يرجع مفاد هذا الجار والمجرور إلى حمل ذلك المشتق على الذات ، فان حمل على غير ما هو له كان الحمل مجازيا ، وإلاّ كان الحمل حقيقيا بلا دخل لذلك في مفاد هيئة المشتق.
وإن شئت قلت : إنّ في حمل المشتق على الذات نظرين ، الأوّل : إلى أنّه متلبس فعلا بالمبدإ أو أنّه قد انقضى عنه المبدأ ، وهذا النظر تابع لما وضعت له هيئة المشتق ، فان قلنا إن الهيئة موضوعة لخصوص المتلبس الفعلي ، كان حمله على من انقضى عنه المبدأ مجازا.
النظر الثاني : هو النظر إلى نسبة الحدث إلى الذات ، فإن كانت النسبة حقيقية كان الحمل حقيقيا وإلاّ كان الحمل مجازيا ، وربما اجتمع التجوزان كما لو انقضى الجريان عن الماء وقيل النهر جار ، فإنّ هناك تجوزين : التجوز في النسبة الحملية والتجوز في مفاد الهيئة ، وربما ينفرد الأول عن الثاني كما في قولك الماء جار بعد انقضاء الجريان عنه ، وربما انفرد الثاني عن الاول كما في قولك النهر جار في حال جريان الماء فيه.