وكذلك الحال من ناحية الأصل العملي ، فإنّ المرجع فيه هو البراءة من التقييد المذكور على حذو ما تقدم في مسألة المباشرة. ومن ذلك يظهر لك التأمل فيما أفاده شيخنا قدسسره (١) في كون المرجع من الاصول اللفظية هو إطلاق الوجوب ، ومن العملية هو الاستصحاب على حذو ما ذكره في اعتبار المباشرة.
ويمكن أن يقال بالفرق بين المقامين : فانا وإن قلنا بأن المباشرة قيد في الفعل المأمور به يقتضيه إطلاقه ، إلاّ أنه قدسسره (٢) أفاد هناك أن المسألة راجعة إلى الشك في إطلاق الوجوب ، وهذا إنما يكون له صورة في المباشرة المقابلة بفعل الغير. أما ما نحن فيه من الاختيارية والقصد في قبال فعل الشخص نفسه لكنه من دون قصد واختيار ، فإنّ المتعين فيه هو الاطلاق في ناحية المادة والنسبة البعثية ، وتكون المقابلة بين الفعل القصدي والفعل غير القصدي عين المقابلة بين الصلاة إلى القبلة والصلاة لا إلى القبلة ، فلا يكون المقام إلاّ من قبيل الشك في تقيد المأمور به ، فإن كان في البين إطلاق يقتضي تقيده وهو ما ذكرناه من إطلاق النسبة البعثية القاضية باعتبار القصد والارادة ، وإلاّ كان المرجع هو اصالة البراءة ، فلا تكون مسألتنا الا من قبيل مسألة الأقل والأكثر. ولا تزيد عليها إلا من ناحية وجود الأصل اللفظي القاضي باعتبار القصد.
نعم ، يمكن أن يقال : إن الأصل اللفظي من ناحية إطلاق النسبة البعثية إذا سقط ، يكون المرجع هو إطلاق المادة ، وهو قاض بعدم اعتبار القصد ، ولا يرجع إلى أصالة البراءة من لزوم القيد إلاّ بعد سقوط هذا الأصل اللفظي
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٥٤.
(٢) أجود التقريرات ١ : ١٤٩.