يتأمل فيه ، فإنّه لا مانع من أن الحاكم في مقام جعله الحكم يفرضه موجودا ثم يجعله ، ونعني بأنه يفرضه موجودا أنه يتصور وجوده والعلم به ثم يجعله ، ولا إشكال فيه سوى إشكال التقدم والتأخر في لحاظ الحكم ، نعم لو فرض وجود الحكم ويجعل الحكم على تقدير وجوده ، كان لازم ذلك تحقق الحكم قبل تحققه وهو الدور السالف الذكر ، فلاحظ وتأمل.
ولكن الذي حررته عنه قدسسره في هذا المقام لعله يريد به مطلبا آخر غير الدور وغير إشكال التقدم والتأخر في اللحاظ ، وهاك نص ما حررته عنه : هذا كله بالنسبة إلى الحكم الفعلي ، وأمّا بالنسبة إلى ذلك الحكم الانشائي المجعول (١) فلا يلزم فيه من أخذ العلم قيدا في موضوع الحكم ذلك الدور المصطلح ، بل يلزم عليه تقدم الشيء على مرتبة نفسه ، حيث إن الموضوع بالنسبة إلى حكمه نظير العلة بالنسبة إلى معلولها في تقدمها عليه رتبة ، والعلم بالحكم بالنسبة إلى ذلك الحكم يكون نظير المعلول بالنسبة إلى علته في تأخره عنها رتبة ، فلا يمكن أن يؤخذ العلم بذلك الحكم قيدا في موضوع ذلك الحكم ، بمعنى أن نفس جعل الحكم واردا على موضوعه المقيد بالعلم به يكون محالا وإن لم يلزم منه الدور المصطلح ، إذ لا يكون في هذه المرحلة أعني مرحلة جعل الحكم تحقق حكم ولا تحقق موضوع كي يقال إن تحقق أحدهما يكون متوقفا على تحقق الآخر الذي هو الدور المصطلح ، إلاّ أنه يكون محالا من جهة كونه مستلزما لتقدم العلم بالحكم رتبة على رتبة نفسه ، فمن جهة كونه علما متعلقا بالحكم يكون متأخرا عنه رتبة ، ومن جهة كونه مأخوذا قيدا في
__________________
(١) يعني أن ما تقدّم من الدور كان بالنسبة إلى تحقق الحكم المجعول وأمّا بالنسبة إلى أصل الجعل ... [ منه قدسسره ].