الفعل ولا ريب في خلوّه بذاته عن المصلحة ، فلا يكون قابلا لتعلق الأمر به ، ولا يكون الأمر به إلاّ صوريا لمجرد فتح الطريق للأمر الثاني ، ومع فرض كون الأمر الأوّل صوريا لا يكون قابلا للتقرب فكيف يأمر ثانيا بأن يؤتى بمتعلقه بداعي التقرب. وأما الأمر الثاني فلأن متعلقه من مقولة الارادة وهي غير اختيارية.
ولا يخفى أن القائل بأن اعتبار الداعي والتقرب إنما هو بالحكم العقلي لا بالحكم الشرعي مثل صاحب الكفاية قدسسره يتوجه عليه الاشكالان المذكوران. أما الأوّل فلأن متعلق الأمر عنده هو ذات الفعل أيضا مع خلوّه من المصلحة ، فكيف يأمر العقل بلزوم إطاعته والاتيان بمتعلقه بداعيه ، فلا يكون الأمر عنده إلاّ صوريا كما هو عند شيخنا قدسسره ، بل إن الصورية عنده أشكل مما عند شيخنا ، لأنها عند شيخنا متداركة بالأمر الثاني بخلافه على مسلك صاحب الكفاية إذ لا يتداركها عنده إلاّ حكم العقل فتأمل. وأما الثاني فلأنا إذا فرضنا أن الداعي غير اختياري ، فكما لا يكون صالحا للالزام الشرعي فكذلك لا يكون صالحا أيضا للالزام العقلي ، بل إن هذا الاشكال على الأمر الثاني وارد على جميع الأوامر حتى الأوامر التوصلية ، إذ لا ريب في توقف متعلقاتها على الارادة ، فإذا قلنا إن الارادة غير اختيارية بطلت جميع تلك الأوامر لتوقف متعلقاتها على ما هو خارج عن الاختيار ، بل لازم ذلك سلب الاختيار عن كل فعل وإن لم يكن مأمورا به ، وليست هذه الشبهة إلاّ عين ما تقدم (١) من شبهة الجبر.
وكيف كان ، لا بدّ لنا من التصدي لرفع هذين الاشكالين ، فنقول بعونه
__________________
(١) [ لم نعثر عليه ].