فهو سابق في الرتبة على الارادة فكيف يعقل أن يكون متعلقا لها ، وإذا لم يكن متعلقا لارادة المكلف لم يصح أن يتعلق به الأمر ، لأن الأمر إنما يتعلق بما تتعلق به إرادة المأمور وحينئذ نقول : إن الأمر الأوّل فيما نحن فيه تعلق حسب الفرض بنفس الفعل ، والأمر الثاني تعلق بأن يكون ذلك الاتيان بداعي التقرب ، فيكون الأمر الثاني متعلقا بداعي التقرب ، وقد عرفت أنه غير داخل تحت الارادة فكيف صح تعلق الأمر به.
ويمكن الجواب عنه : بأنه داخل تحت الاختيار والارادة ولو بواسطة الرياضة النفسية بتصور ما يترتب على وجوده من الطاعة والانقياد وعلى تركه من العصيان ، وما ذكرناه من أنه غير داخل تحت الارادة المراد منه أنه غير داخل تحت الارادة التي يكون هو الداعي إليها لكونها معلولة له ، لا أنه لا يكون داخلا تحت الارادة بقول مطلق بمعنى أنه ليس من الامور الاختيارية.
قلت : لا يخفى أنه بناء على ذلك يكون في الامتثال في العبادات إرادتان للعبد ، إحداهما متعلقة بنفس الفعل والاخرى متعلقة بالداعي ، كما أن هناك إرادتين تشريعيتين إحداهما متعلقة بنفس الفعل والاخرى متعلقة بأن يكون الأمر المذكور داعيا للاتيان به ، ومن الواضح أنه ليس في ناحية العبد إلاّ إرادة واحدة متعلقة بنفس الفعل غايته أنها كانت بداعي الأمر.
فالأولى أن يجاب عن هذا الاشكال : بأنه إن كان المراد من هذا الاشكال هو كون الداعي على إرادة الفعل غير مقدور للعبد ، كان الجواب عنه بمنع كونه غير اختياري ، بل هو اختياري ولو بواسطة ما أفاده قدسسره من الرياضة النفسية ، ولو التزمنا بخروج ذلك عن الاختيار لا نسدّ باب الأوامر العبادية بالمرة حتى لو قلنا إن لزوم الاتيان بداعي الأمر كان بحكم العقل ، إذ