المعنى هي بعينها نسبة آلة التأثير إلى الأثر ، فلا يكون الحرف في إحداث ذلك المعنى وإيجاده إلاّ من قبيل السكين في كونها آلة في إيجاد قطع الشيء ، فكما لا يصح أن يقال إن السكين معناه القطع فكذلك لا يصح أن يقال إن معنى الحرف هو المعنى الذي يوجده ، نعم لو كان المراد لأرباب القول المذكور أن الحرف لا أثر له أصلا كما أنه لا معنى له وإنما هو صرف العلامة ، لحصل الفرق بينه وبين هذا الذي أفاده قدسسره فإنّه بناء على ما أفاده قدسسره وان لم يكن للحرف معنى تحت لفظه إلاّ أنه يؤثر أثرا نسميه معنى للحرف تسامحا وتساهلا.
ثم لا يخفى أنه بعد البناء على أن الحروف بأسرها نسبية وغير نسبية كلها آلات إيجاد معانيها ، يكون الذي توجده الحروف النسبية مثل الحروف الجارة والهيئات وغير ذلك من آلات النسب هو نفس النسبة بين المنتسبين ، فلا فرق بين لفظة من ولفظ الهيئة في ضرب والهيئة في اضرب في أنّ كلا منها موجد للنسبة ، إلاّ أن الفرق بينها إنما هو في جهات النسب ، فالأول وهو لفظة « من » في قولك سرت من البصرة ، أوجدت النسبة بين السير والبصرة على جهة الابتداء ، والثاني وهو هيئة ضرب زيد ، أوجدت النسبة بين الضرب وزيد على جهة الاسناد والفاعلية ، والثالث على جهة الطلب ، وهكذا الحال في مثل هيئة « بعت » الخبرية والانشائية فإنها أيضا لايجاد النسبة بين البيع والمتكلم ، غير أن الاولى على جهة الاخبار والثانية على جهة الانشاء والايجاد أعني إيجاد البيع.
وبالجملة : أن هذه الآلات لم تعمل لايجاد الابتداء أو إيجاد الطلب أو إيجاد البيع ، وإنما اعملت ابتداء في إيجاد النسبة ، وهذه الامور هي جهات لتلك النسب المنوجدة بهذه الآلات ، وربما كانت تلك الجهات لها