إن قصد آليا ورابطا بين الاسمين فالموضوع له لفظة « من » ، وإن قصد في حدّ نفسه فالموضوع له هو لفظ الابتداء ، على حسب ما مرّ شرحه من معنى الشرط ، ولعل ما ذكرناه في كيفية الوضع وأنّه اختراع وإحضار للمعنى باحضار اللفظ المناسب له أظهر في التقييد من بقية الطرق.
وكيف كان ، نقول : إنه بعد إصلاح مسلك الكفاية يكون الأمر مرددا بين المسلكين ، وهذا غريب ، لأن التردد إنما يحصل فيما لا يكون راجعا إلى نفس الشخص المتردد ، كأن يتردد في الامور التكوينية مثل حركة الكواكب ومثل التردد في سائر الواقعيات ، ومثله التردد فيما أراده المتكلم بقوله افعل مثلا ، هل أراد الوجوب أو أراد الندب ، وكذلك التردد في كيفية إرادته الندب من ذلك لو أحرز أنه أراد الندب ولكن حصل لنا التردد في أنه أراده بلا عناية أو أنه أراده بالعناية ، إلى غير ذلك مما لا يكون راجعا إلى المتردد نفسه.
أما ما يعود إلى نفس الشخص ، وأنه عند قوله : سرت من البصرة إلى الكوفة ، هل قصد إيجاد ربط الابتداء بين المفهومين ليكون مماثلا للربط الواقعي بين واقع السير وواقع البصرة ، أو أنه (١) لم يقصد بذلك إلاّ الحكاية عن نفس ذلك الربط الواقعي بينهما على نحو الآلية والارتباط على وجه لم يقصد بقوله من البصرة إلاّ نفس ما يقصده بقوله الابتداء ، غير أنه قصده في الأول على نحو الارتباط والآلية وفي الثاني على نحو الاستقلالية ، فهذا التردد منه غريب ، لأنه تردد في قصده الجاري عليه في جميع كلماته ، ولو نقل لنا هذا التردد عن شخص من الأشخاص لنسبناه إلى أقصى درجات
__________________
(١) [ في الأصل : وأنه ، والصحيح ما أثبتناه ].