[ هو ](١) أمر زائد على وجود الجوهر ووجود ذات العرض ، فكما أن لفظ السير يحكي عن ذلك العرض ولفظ البصرة يحكي عن ذلك الجوهر فكذلك لفظة « من » تحكي عن ذلك الوجود الربطي بينهما.
فالفرق بين الحروف والأسماء أن الحروف حاكية عن الوجود الربطي بين الجوهر والعرض ، بخلاف الأسماء فانها إنما تحكي وجود الجوهر أو نفس العرض ، ومن الواضح أن ذلك لا يكون من الوجود الربطي.
ولا يخفى أن هذا الفرق وإن كان حاصلا لكنه بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي المتعلق به ، أمّا الفرق بين مفاد لفظة من ومفاد لفظة الابتداء فذلك مما لم يتكفله الفرق المذكور ، فلا بد لصاحب هذا القول من إبداء الفرق بينهما ، بأن معنى لفظة « من » عند ما تقول : سرت من البصرة ، لا يكون ملحوظا إلاّ بعنوان الرابطية ، بخلاف لفظ الابتداء عند ما تقول : ابتداء السير من البصرة حسن مثلا ، وحينئذ يعود الأمر إلى التقييد بالوجود الذهني الرابطي وعدم الرابطي ، فيتوجه عليه الاشكالان اللذان أفادهما صاحب الكفاية ، فلاحظ.
وبعد إبطال هذه الأقوال الثلاثة بما أفاده في الكفاية ، وبعد إبطالنا القول الرابع وهو كون المعاني الحرفية قيودا في المعاني الاسمية ، يبقى الأمر منحصرا بمسلك الكفاية ومسلك شيخنا قدسسره ، وبعد إصلاح ما في الكفاية من شرط الواضع وإرجاعه إلى التقييد في مرحلة الغرض ليكون منتجا لتقييد الوضع ، نظير قصد داعي الأمر في التعبديات كما أفاده في المقالة (٢) ، أو بما عرفت من إرجاعه إلى تقييد الوضع وحصره ، ليكون محصّله هو أن الابتداء
__________________
(١) [ لم يوجد في الأصل وإنما أضفناه للمناسبة ].
(٢) مقالات الاصول ١ : ٨٩ ـ ٩٠.