هو مطابقة الحكاية للواقع المحكي والكذب هو عدم المطابقة.
فأجاب : بأنّه لا منافاة بين كون الهيئة لايجاد النسبة وبين الاتصاف بالصدق والكذب ، فإنّ المنافي لكون الهيئة إيجادية هو كون ما تفيده مفهوما كليا منطبقا على الواقع انطباق الكلي على الفرد ، ليكون حاصل القضية مثل قولنا : الانسان كاتب ، مؤلفا من ثلاثة مفاهيم ، مفهوم الانسان المنطبق على واقعه ، ومفهوم الكاتب المنطبق على واقعه ، ومفهوم الهيئة المنطبق على واقع النسبة ، وهذا هو المراد من انطباق الكلي على الفرد يعني انطباق المفهوم الذهني على الواقع.
ولو كانت القضية كذلك لاحتاجت هذه المفاهيم الثلاثة إلى رابط بينها ، وحينئذ ننقل الكلام إلى ذلك الرابط ويعود محذور الحكاية أو الايجاد ، وإنّما قلنا إنّه لا منافاة بين كون الهيئة لايجاد النسبة وبين الاتصاف بالصدق والكذب ، لأنّ هذا الذي توجده الهيئة أعني الربط الذهني بين المفهومين ، هو مثال للربط الواقعي بينها ، وهو المعبّر عنه بالوجود الظلي لواقع النسبة ، فهذا الوجود الذهني المثالي أو الظلي إن طابق النسبة الواقعية كانت القضية صادقة ، وإن لم يطابقها كانت القضية كاذبة. وهذه المطابقة ليست من مطابقة الكلي للفرد كما عرفت من مطابقة مفهوم الانسان لواقعه ، بل هي من قبيل مطابقة أحد الفردين للآخر.
قلت : وإن شئت قلت : إنّ الواقع وإن كان الموجود فيه هو السير والبصرة ، إلاّ أنّ السير قد وجد على نحو خاص ، وهو كون مبدئه البصرة ومنتهاه الكوفة ، فنحن عند ما نقول : سرت من البصرة إلى الكوفة ، نكون قد خلقنا للسير الذهني ابتداء وانتهاء على حذو ما في الواقع ، وإذا صحّ لنا ذلك لم يبق إلاّ مجرّد صحة تسمية هذا الخلق حاكيا عما في الواقع وعدم