بينهما ، لم يكن مفاد الحرف قيدا بل كان القيد مدخوله ، وكان مفاد لفظة « من » هو النسبة التقييدية ، فلم يخرج عما أفاده شيخنا قدسسره.
وان كان المراد هو كون السير مقيدا بكونه من البصرة ، بمعنى أنّه مقيّد بأنّ مبدأه البصرة ومنتهاه الكوفة ، عاد الحرف اسما وكنا محتاجين إلى لفظ يدل على نسبة ذلك القيد الى ذلك المقيد ، فتعود مشكلة الحرف المتضمّن لتلك النسبة التقييدية بين السير وبين مفاد لفظة « من » الذي هو القيد أعني الابتداء.
والحاصل : أنّ دعوى كون مفاد الهيئات تقييد المفاهيم الاسمية كما يظهر من الحاشية المزبورة ، لعله ممّا لا يرجع إلى محصّل خصوصا في النسب التامة الاخبارية ، وأما النسب الناقصة التقييدية فهي إنّما تكون بين القيد والمقيد وهما اسمان ، ومفاد الهيئة فيهما هو ربط أحدهما بالآخر على جهة التقييد ، فيكون حالها حال النسب التامة ، غير أنّ الناقصة تكون في طي النسبة التامة ، وإلاّ فالكل نسب بين المفاهيم الاسمية ، ولأجل ذلك قالوا إن الأوصاف قبل العلم بها أخبار كما أنّ الأخبار بعد العلم أوصاف. وأما ما مثّل به لذلك من قولك : الصلاة في المسجد حكمها كذا ... إلخ فليس قولك في المسجد متعلقا بالصلاة ليكون على نحو الظرف اللغو ، بل هو متعلق بمحذوف ويكون من الظرف المستقر ، ويكون الحاصل هو : أن الصلاة الموجودة في المسجد حكمها كذا ، فيكون القيد هو الكون في المسجد ويكون حاله حال قولك : العالم العادل حكمه كذا ، وبذلك تتكوّن هيئة بين الموصوف والصفة ، وهذه هي التي مفادها التقييد. ويبقى الكلام فيما تفيده لفظة « في » الواقعة بين الاستقرار والمسجد ، وهي من هذه [ الجهة ](١) بمنزلة
__________________
(١) [ لم يوجد في الأصل ، وإنّما أضفناه للمناسبة ].