متحرّرا فأين اليقين السابق والشك اللاحق ، فلو افترض انّ المكلّف قد عثر على دليل الحكم فلا مجال لاستصحاب حال العقل كما لا مجال لإجراء القاعدة العقلية ، ففي كلّ مورد يجري فيه استصحاب حال العقل تجري فيه القاعدة وكذلك العكس.
وبهذا يتّضح انّ المراد من استصحاب حال العقل هو الرجوع الى القاعدة العقلية القاضية بالبراءة عن كلّ تكليف غير معلوم ، والذي يؤكد ما ذكرناه انّهم استدلوا على حجية هذا الاستصحاب بمدرك القاعدة القاضية ببراءة الذمة عن كلّ تكليف لم يقم عليه دليل.
وأما وجه تفسير الفاضل التوني « للحال » بالحالة السابقة فلعلّه لأجل انّ الشك في كلّ مورد بخصوصه يكون متأخرا عن تحرّر القاعدة العقلية فيكون نفي الحكم الإلزامي عن ذلك المورد بواسطة الرجوع الى القاعدة العقلية ، وهذا هو المبرّر للتعبير عن الرجوع بالاستصحاب ، لأنه عبارة عن إجراء القاعدة المتيقنة على مورد الشك ، فهو أشبه بتطبيق الكبرى على احدى صغرياتها فينتفي الشك عن المورد بواسطة التطبيق والإرجاع.
نعم المستظهر من عبائره انّ ثمة حالة سابقة متيقنة وحالة لاحقة مشكوكة ، وهذا معناه انّ المراد من الاستصحاب هو الاستصحاب الاصطلاحي ، إلاّ انّه مع ذلك يمكن توجيهه بما يناسب ما ذكرناه من انّ استصحاب حال العقل معناه الرجوع الى البراءة الأصلية.
وهو انّ المكلّف قد يتمسك بالبراءة الأصلية المدركة بالعقل ابتداء لعدم عثوره على دليل أصلا ، إلاّ انّه بعد ذلك يعثر على رواية ضعيفة السند أو مضطربة الدلالة فيحتمل انّ ذلك موجبا لاشتغال ذمته بمفادها أو بما يتراءى منها ، وهنا يستصحب البراءة