وأما الغرض من بحثها في علم الاصول فهو التعرّف على ما هو حكم الأفعال الاضطرارية الناشئة عن مقدمات اختيارية ، وهل تسقط المسئولية عنها بعد ان كانت ثابتة لو لا الاضطرار. ولهذا يبحث عن هذه القاعدة عادة في موردين : الاول : في بحث اجتماع الأمر والنهي ، والمورد الثاني في بحث المقدمات المفوتة.
وقبل بيان المراد من القاعدة في علم الأصول لا بأس بالإشارة الى المراد منها في علم الكلام فنقول :
انّ الأشاعرة في مقام الانتصار لمذهبهم ادعوا انّ الأفعال لا تخلو عن ان تكون ضرورية الوقوع أو ضرورية العدم ، فليس ثمة فعل إلاّ وهو كذلك ، بمعنى انّه لا يوجد فعل ممكن الوجود فهو إمّا واجب أو ممتنع ، فهو واجب الوقوع لو كانت علته تامة ، وهو ممتنع الوقوع مع عدم علته أو كانت علته ناقصة ، واذا تمّ ذلك فكلّ فعل يصدر عن الإنسان فهو ضروري الوقوع ، إذ لو لم يكن كذلك لم يقع فالشيء ما لم يجب لا يوجد ، وما هو ضروري الوقوع لا يمكن ان يكون اختياريا ، إذ انّ اختياريته تنافي ضرورة وقوعه.
هذا هو حاصل الشبهة المثارة من الأشعري لغرض الانتصار لمذهبه.
وقد أجاب عن هذه الشبهة الخواجة نصير الدين الطوسي وكذلك العلامة الحلّي رحمهما الله بقولهم انّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ومرادهم من الامتناع هو الامتناع بالغير ، بمعنى انّ وجوب الوجود للفعل إذا كان ناشئا عن اختيار المكلّف فإنّ ذلك لا يسلب الاختيارية عن الفعل ، فنحن وان كنا نسلّم بأن الوقوع لم يكن ليحصل لو لا وجوبه وضرورته إلاّ انّ هذه الضرورة ليست ذاتية للفعل ، بمعنى انّ ضرورة الوقوع لم تكن ناشئة عن مقام الذات للفعل وانّما كانت