العقلية انّما تقتضي نفي المؤاخذة والعقوبة عند عدم البيان ، وواضح انّ ذلك إنّما يختص بالتكاليف الإلزامية ، إذ هي التي يترتب على مخالفتها المؤاخذة والعقوبة ، وبهذا تكون البراءة العقلية مؤمّنة عن العقاب والمؤاخذة في حالات عدم العلم بالتكليف واتفاق مخالفته واقعا ، أما التكاليف غير الإلزامية فتركها غير مستوجب للمؤاخذة والعقوبة في ظرف العلم فضلا عن حالات عدم العلم ، فعليه لا معنى لإجراء البراءة العقلية لنفي التكليف غير الإلزامي ، لأنّه أشبه بتحصيل الحاصل.
وأما البراءة الشرعية فكذلك لا معنى لجريانها لو كان دليلها مثل قوله تعالى ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (٢١) وقوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) (٢٢) وكذلك قوله عليهالسلام « الناس في سعة ما لا يعلمون » (٢٣).
فكل النصوص التي مفادها نفي الإدانة عن ترك التكليف في ظرف الشك لا يتعقل شمولها للتكاليف غير الإلزامية.
إلاّ انّه مع ذلك يمكن تصوير جريان البراءة في المستحبات بلحاظ النصوص التي مفادها رفع التكليف في مرحلة الظاهر في ظرف عدم العلم كحديث الرفع وحديث الحجب ، والرفع والوضع يتعقلان في حالات الجهل بالتكليف غير الإلزامي ، وعندئذ لا يكون ثمة مانع عن ظهورهما في الاطلاق ، غايته انّ رفع التكليف بلحاظ الاحكام الإلزامية يقتضي عدم وجوب الاحتياط ، واما رفع التكليف بلحاظ التكاليف غير الإلزامية يلازم عدم استحباب الاحتياط ، إذ من غير المعقول ان يكون التكليف مرفوعا في مرحلة الظاهر ومع ذلك يكون الاحتياط واجبا أو مستحبا ، إذ الإحكام متضادة فيما بينها حتى في مرحلة