وقال : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١).
ولا ينافي ذلك قوله : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٢) وقوله : (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٣) فإنّ العبادة لا تكون إلّا من حيث أمر الله ، وقد أمر عباده أن يعبدوه بدلالة أنبيائه ورسله ، فلا يقبل عبادة إلّا ما كان موافقا لدلالتهم ، وقد قال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤).
وأمّا إن كان المعنيّ بالخطاب هو صلّى الله عليه وآله من دون تقدير خافض ومضاف فيرد هنا سؤال ؛ وهو أنّه هو الهادي للكلّ إلى أقوم السبل ؛ كما قال : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥) وقال : (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٦) وقد كان على صراط مستقيم من التوحيد وغيره ، كما قال : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٧) وكلّ هداية فهو مسبوق بضلالة ، وهو صلّى الله عليه وآله لم يشبه ضلالة أصلا ؛ بل كان على بيّنة من أوّل خلقه؟
وللجواب عن هذا السؤال وجوه من المقال :
منها : أنّ كلّ عبد وإن بلغ في كماله ما بلغ إلّا أنّه محتاج إلى ربّه في كلّ آن
__________________
(١) الزخرف : ٤٣.
(٢) يس : ٦١.
(٣) آل عمران : ٥١.
(٤) آل عمران : ٨٥.
(٥) المؤمنون : ٧٣.
(٦) الفتح : ٢.
(٧) يس : ٣.