من الآنات ، فإنّه لا يخرج عن حدّ الإمكان في حين من الأحيان ، والممكن كما هو مفتقر في حدوثه إلى ربّه كذلك مفتقر في بقائه إليه تعالى ، وقد قرّر ذلك في الحكمة.
ولا ريب أنّ هداية الرسول صلّى الله عليه وآله لم تحصل إلّا بفعل الله تعالى ووحيه وتوفيقه ، فهو صلّى الله عليه وآله مفتقر إليه في دوام هذه الهداية وبقائها والثبات على الصراط المستقيم ، ولو لا عناية الحقّ وعصمته لزلّت قدمه عن الصراط ؛ كما قال : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (١).
فالمراد بـ «يهديك» يبقيك ويديمك ويثبّتك على هذا الصراط الّذي هداك إليه ، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في تفسير : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢) ؛ يعني «أدم لنا توفيقك الّذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا» (٣).
قال بعض الأساطين : لمّا كان العبد محتاجا إلى الهداية في جميع أموره آنا فآنا ولحظة فلحظة ، فإدامة الهداية هي هداية اخرى بعد الهداية الاولى ، فتفسير الهداية بإدامتها ليس خروجا عن ظاهر اللفظ.
ومنها : أنّ لكلّ أحد صراطا مستقيما بحسب رتبته ومقامه ، وهو صلّى الله عليه وآله وإن كان هاديا للكلّ إلى أوضح السبل ، إلّا أنّه محتاج إلى الله في أن يهديه إلى توحيده الخاصّ به الحاصل من التجلّي الكلّيّ الموجب للفناء
__________________
(١) يوسف : ٢٤.
(٢) الفاتحة : ٦.
(٣) بحار الأنوار ٢٤ : ٩.