قوله : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) ؛ أي فقام على أصوله ، والسوق جمع الساق وهو قصب الشجر والزرع.
قوله : (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) ؛ أي يروع ويحسن في نظره ، لقوّته وغلظه وحسن منظره.
وهذا مثل ضربه الله للنبيّ وأصحابه ، فالزرع هو محمّد صلّى الله عليه وآله والشطأ أصحابه المؤمنون الّذين حوله المربّون بتربيته ، وقد كانوا في بدو الأمر في غاية الضعف والقلّة ومحلّ الأذى من الكفّار ، فتقوّوا واشتدّوا تدريجا بتلاحق المؤمنين وتعاونهم وازديادهم يوما فيوما ، فاستغلظوا واستقاموا على أمرهم ، وزاد شوكتهم وقوّتهم في ترويج الدين ، فكفّ عنهم أيدي الكفّار ، فشابهوا الزرع حيث إنّه كان في أوّل طلوعه وبروزه دقيقا ضعيفا يزعجه أدنى ريح ، ثمّ صار قويّا غليظا.
وروي أنّه مكتوب في الإنجيل : إنّه يخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وهذا ممّا يؤيّد الوقف بين المثلين ؛ كما ذكرناه. فافهم.
قوله : (لِيَغِيظَ) ؛ أي قوّيناهم ونصرناهم حتّى بلغ أمرهم هذا المبلغ لغيظ الكفّار واشتعال أكبادهم بنار الغضب ، فيكون هذا لهم عذابا معجّلا في الدنيا قبل عذاب الآخرة. ويمكن أن يكون تعليلا للتمثيل المذكور ؛ أي شبّهناهم بالزرع لإغاظة الكفّار.
وقيل : إنّه تعليل مقدّم لقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ... إلى آخره فإنّ الكفّار يغيظون بسماع هذا الوعد.