تقصيره ، وإن كان قاصرا فلا عقاب عليه ، لمنافاته للعدل.
والثاني : من وصلت إليه الدعوة النبويّة ، وهذا على أقسام.
إذ منهم : من لم يصدّق بجميع ما وصل إليه أو بعضه لا بلسانه ولا بقلبه ، فهذا كافر بحسبه كفر جحود ، معذّب بعذاب أليم وعقاب عظيم ؛ كما يدلّ عليه آيات وأخبار كثيرة.
ومنهم : من يصدّق بالجميع بلسانه ، وينكره بقلبه ، فهذا كافر كفر نفاق ، وعذابه أشدّ من سائر الكفّار ؛ كما قال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (١) ولكنّه معصوم في دمه وماله ، ويعامل معه معاملة المسلمين في جميع أموره.
ومنهم : من يصدّق بالجميع بقلبه ، لظهور حقيقته عنده ، ولكنّه ينكره بلسانه حسدا ، أو استكبارا ، أو بغيا وحقدا ، أو تعصّبا ، أو لغير ذلك من الأغراض الباطلة. فهذا كافر بحسبه كفر تهوّد ؛ كما قال : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢).
بل يمكن أن يقال : إنّ هذا هو الكفر الحقيقيّ ، فإنّه عبارة عن الستر ، ومنه الكافر للزارع ، فإنّه يستر البذر في الأرض ، والكافر المذكور يكتم ما عرفه من الحقّ ، فيمكن أن يصرف أكثر الآيات الدالّة على تعذيب الكفّار إلى مثله لا إلى من اشتبه الأمر عليه ولم يحصّل بعد المجاهدة الحقّ ؛ كما هو هذا.
__________________
(١) النساء : ١٤٥.
(٢) البقرة : ١٤٦.