وإن أبيت عن ذلك فاحمله على القدر المشترك بين التنزيه الفطريّ واللسانيّ ، وهو مطلق الدلالة على تنزّه الحقّ عمّا لا يليق به من الشرك والنقائص ، فلا يلزم استعمال اللفظة الواحدة في أكثر من معنى واحد ، ولك أن تحمله على خصوص الأوّل ؛ إذ ما من شيء إلّا وهو مظهر بكينونته صفة من صفات جماله وجلاله ومظهر لها.
وفي كلّ شيء له آية |
|
تدل على أنّه واحد |
وفي الدعاء «اللهمّ إنّه ليس في السماوات دورات ، ولا في الأرض غبرات ، ولا في البحار قطرات ، ولا في الجبال مدرات ، ولا في الأشجار ورقات ، ولا في الأجسام حركات ، ولا في العيون لحظات ، ولا في النفوس خطرات ؛ إلّا وهنّ بديموميّتك وبربوبيّتك عارفات ، ولك شاهدات ، وعليك دالّات ، وفي ملك متحيّرات ، وفي تحت جبروتك مذلّات».
وفي تفسير «حقائق القرآن» بعد ذكر الآية نظير : قدّس الله كلّ ذوات الأرواح والأشباح والأجسام بلسان العقول ، ووجدان نور الإيجاد ، ومباشرة أفعاله ، لأنّه خصّ ذوي العقول برؤية نور الصفات في الأفعال ، وهيّجهم ذلك إلى تقديسه وتنزيهه من علل الحدثان ، وذلك تعريف الله نفسه إيّاهم بظهور الصفة في الفعل فعرفوه ثمّ قدّسوه ، وخصّ ما دونهم من ذوي الحياة بمباشرة نور العقل ، فوهبها منها أرواحا مسبّحة ، وكذلك الجمادات لها لسان الفعل ؛ تصف بها الحقّ وتنزّهه ، وذلك سرّ عجيب لا يعرفه إلّا من تفقّه قول الله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ومن عظم قدر الله ذلك السرّ واللسان والوصف والتقديس شدّد الأمر في إدراكه بقوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).