الاختلافُ والتشرذم في المجتمع الواحد ، وما يصيب شعباً من الشعوب أو اُمة من الامم من هذا الطريق؟
أم هل يمكن تقييمُ ما تنتهي إليه جهودُ المستعمرين ، أو ما يؤول إليه الظلمُ والحيف ، من خلال تجربة حسية؟
أم هل يمكنُ الوقوفُ على نتائج « الاختلاف الطبقيّ » ، « والتمييز العنصريّ » في المجتمع عن طريق التجربة المختبرية؟
في الاجابة على كل هذه الاسئلة يجب أن نقول : كلا مَعَ الاسف.
وذلك لأنَّه لا توجَد للقضايا الاجتماعية ـ رغم أهميتها القصوى ـ مثل هذه المختبرات ، وحتّى لو أمكن توفير مثل هذه المختبرات المناسبة لتحليل وتقييم ودراسة القضايا الاجتماعية ، فان إنشاءها وايجادها يكلِّف نفقات باهضةً ، وتستدعي جهوداً عظيمة.
ولكنَّ الأمر الّذي في مقدوره أن يقلّل من حجم هذا النقص إلى حدّ كبير هو أننا نملك اليوم شيئاً يسمى ب : « تاريخ الماضين » والّذي يشرح لنا ما كان عليه البشرُ ـ أفراداً وجماعات ـ طوال آلاف السنين من الحياة على هذه الارض ، كما ويعكس مختلف الذكريات والخواطر عنهم ، من إنتصارات وهزائم ، ونجاحات وانتكاسات ، ويوقفنا بالتالي على كل ما وقع في حياة الامم والشعوب من حوادث مرة أو حلوة.
إنَّ التاريخ يذكر لنا : كيف وُجدَت الحضارات المشرقة والمدنيات العظمى في العالم ، وكيفَ سلكت ـ بعد مدة ـ طريق السقوط والانقراض ، حتّى أنها قد مُحيت عن صفحة الوجود بالمرّة ، واصبحت خبراً بعد أثر ، وبالتالي ما هي العوامل الّتي كانت وراء سيادة الشعوب ثم اندحارها.
إنّ حياة الماضين وتاريخهم يحتفظ لنا في صفحاته بقسط كبير ومهمّ جداً من هذه الحوادث ، ولهذا صحّ أن يقال : « التاريخ مختبر الحياة العظيم » ، فبمعونة التاريخ يمكن تقييم مختلف القضايا الاجتماعية ، ودراستها واستخلاص النتائج والعبر المفيدة منها.