ولكنّ المؤسف أن كُتُب التاريخ الموجودة الآن تعاني من نقص كبير من حيث الاشارة إلى العبر والدروس الاجتماعية المفيدة ، لأن هذه المصنفات لم تدوَّن لأَجل هذا الغرض ، ولهذا اُغفِلَ فيها ـ في الاغلب ـ كل ما هو مؤثرٌ في كشف الحقائق التاريخية ، وإبراز العلل الكامنة وراء الحوادث المتنوعة والوقائع المختلفة ، وبالتالي فقد تجاهلت تلك الكتب والدراساتُ ما هو المفتاح الطبيعيّ لحلِّ الرُموز الكبرى في مسيرة التاريخ البشري ، واعتنتْ ـ بدلا عن ذلك ـ بالقضايا التافهة.
لقد تصدّى كثيرٌ من المؤرّخين لتدوين وتسجيل القضايا التاريخية ، تارة بهدف التسلية واُخرى بدافع إبراز الفضل لأقوامهم أو طوائفهم ، واظهار تفوقها على الاقوام والطوائف الاُخرى ، وثالثة بدافع الحب والبغض ، او التعصب لهذا أو ذاك ولهذا عجزت هذه المؤلفات والكتب عن حل أية مشكلة ، وتبديد أية حيرة ، بل هي تزيد المرء ضلالا إلى ضلال ، وحيرة إلى حيرة!
ولكن رغم كل هذا يستطيع اُولو النباهة والبصيرة ، واصحاب الفهم والتحقيق ان يتوصلوا ـ من خلال مطالعة هذه المؤلفات التاريخية على ما فيها من عيوب ونقائص ، ومع ما فيها من أساطير عن الشعوب المختلفة ـ إلى ما يساعدهم على كشف الكثير من اسرار وخلفيات القضايا والامور المتعلقة بالشعوب الماضية ، تماماً كما يفعل الطبيبُ الحاذق ، أو القاضي البارعُ الّذي يمكنهما من خلال الوقوف على القرائن الجزئية المتفرقة ، التوصّل إلى اكتشاف نوع « المرض » أو حالة « المتهم » الحقيقية ، وما يعاني منه في واقعه النفسي.
* * *
إنَّ أعظم صفحات التاريخ قيمة هي تلك الّتي تعكس لنا حياة العظماء وسيرة الرجال الخالدين ، وتبحث عنها بصدق وامانة وموضوعية.
إنَّ لحياتهم أمواجاً خاصة ، كما أنها زاخرة بانواع الحوادث.
لقد كانوا عظماء حقاً ، وكذلك كان كل ما يرتبط بهم ، ومن ذلك تاريخهم ، إنه شيء عظيم يستحق التأمّل والتدبر ، فهو يتسِمُ بِلمعان يلفت الأنظار ، ويخلب