وكيف كان فقد ظهر لك ممّا ذكرنا إمكان المناقشة في التقريب الثاني أيضا ، لجواز أن يكون نفي البأس عن الماء لأجل استهلاك الجزء المتغيّر في ما عداه.
ولكنه يدفعها : أنّ مفاد الرواية ليس إلّا اعتبار اضمحلال لون البول المستلزم لاستهلاكه عرفا ، وهو أعمّ من استهلاك الماء المتلوّن به.
فاتّضح لك أنّ تطهير الماء المتنجّس لا يتوقّف على الاستهلاك واضمحلاله في الماء الطاهر ، بل يكفي فيه امتزاجه بشيء قليل من الماء المعتصم مزيل لتغيّره لو فرض متغيّرا بأول مرتبة التغيّر ، التي تكاد تلتحق بالعدم ، لانعقاد الإجماع على كفايته في التطهير في الجملة ، بل صحيحة ابن بزيع بمنزلة النصّ في كفاية هذا المقدار ، لصراحتها في طهارة ماء البئر بعد زوال تغيّره بالنزح ، ونجاسته ما دام متغيّرا ، فالمؤثّر في طهارته ليس إلّا اتّصاله بالمادّة بعد زوال تغيّره أو امتزاجه بالماء العاصم الذي لا يتغيّر به ، ويزيل تغيّره عند إشرافه على الزوال.
وكذا يستفاد من الصحيحة أنّه لا يعتبر في التطهير علوّ المطهّر ، بل يكفي وصوله إليه ولو من أسفله أو بعض نواحيه ، كما هو الغالب في مادّة البئر والجاري ، مضافا إلى إطلاق مطهّرية بعض ماء النهر بعضا ، وإطلاق المرسلة المتقدّمة (١) ، بل قد عرفت أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه على تقدير حصول الامتزاج ، بل عن بعض (٢) دعوى الإجماع عليه.
__________________
(١) تقدّمت في الصفحة ٩٦.
(٢) راجع : كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ١٥ ، وكشف اللثام ١ : ٣٣.