إن قلت : إنّ العقل والنقل إنّما يدلّان على حسن إيجاد هذا الفعل برجاء امتثال الأمر ، فقصد الاحتياط من مقوّمات حسنه ، وهذا لا يتحقّق من المقلّد في الفرض.
قلت : هذه المناقشة لو تمّت فإنّما هي في ما إذا كان مستند الحكم بالاستحباب العقل ، وأمّا إذا كان مدركه الأخبار فلا ، لأنّ مفاد الأخبار أنّ «من بلغه شيء من الثواب على عمل فعمله لأجل ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الأمر كما بلغه» ومن المعلوم أنّ حصول هذا القصد ـ أي إتيان الفعل لأجل الثواب الموعود ، وكذا غيره من الغايات التي هي أكمل من قصد استحقاق الأجر كابتغاء رضوان الله تعالى ومغفرته ـ من المقلّد الذي لا يكون ملتفتا إلى احتمال عدم استحباب الفعل بعنوان ذاته أتمّ وأحسن ، كما هو ظاهر.
وأمّا إذا كان مدركه العقل الحاكم بحسن الاحتياط ورجحان إيجاد الفعل المحتمل كونه محبوبا لله تعالى ، فإن قلنا : بدلالته على صيرورة الفعل مستحبا شرعيا ولو لم يكن في الواقع كذلك ، أو قلنا : باستفادة استحبابه من الأخبار الكثيرة الدالّة على حسن الاحتياط وإيجاد ما يحتمل كونه محبوبا لله تعالى ، فلا إشكال أيضا ، لأنّ تشخيص مصاديق الأحكام ليس من وظيفة المقلّد ، والمجتهد بمنزلة النائب عنه ، فالمقلّد ينوي بفعله امتثال الأمر الواقعي المتعلّق به ، غاية الأمر أنّه لا يعلم أنّ الأمر المتعلّق به هو الأمر المستفاد من أخبار الاحتياط ، أو أنّه هو الأمر المتعلّق بنفس الفعل ، وهو غير ضائر في حسن الفعل وحصول الامتثال.