هذا إذا أمكن التخلّف ، وإلّا بأن كان أحدهما أخصّ مطلقا من الآخر فلا يعقل التحديد بهما بوجه من الوجوه ، بل لا بدّ من أن يكون الحدّ الحقيقي هو الأعمّ لا غير.
نعم يعقل أن يجعل ما هو الأخص طريقا ، للعلم بوجود الأعمّ ، فلو دلّ دليل على كون كلّ منهما حدّا ، فلا بدّ إمّا من طرح أحدهما أو جعل الأخصّ طريقا ، للعلم بوجود المحدود بعد مساعدة القرينة ، لما عرفت من عدم إمكان العمل بظاهرهما ولو بتقييد كلّ منهما بعدم الآخر ، كما في الصورة السابقة.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : نفس الأشبار في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن كونها أخصّ مطلقا ـ كما قيل ـ لا تصلح أن تكون حدّا حقيقيا لمعرفة الكرّ الذي هو موضوع واقعي لا يختلف باختلاف الأشخاص ، وليس مثل الوجه في مسألة الوضوء الدائر مدار دوران الأصابع بالنسبة إلى كلّ مكلّف ، لأنّ الموضوع بالنسبة إلى كلّ مكلّف هو وجهه المختصّ به ، فلا امتناع في جعل أصابعه كاشفة عن حدّ وجهه ، وهذا بخلاف الكرّ الذي هو موضوع واقعي ، وله حدّ واقعي يخرج عنه بنقصان قطرة ، فكيف يمكن أن تنطبق عليه أشبار كلّ من هو مستوي الخلقة من دون زيادة قطرة ونقصانها ، فكلّ ما ورد من التحديد لمثل هذه الأمور بمثل الأشبار والقلّتين والحبّ فإنّما هي كواشف عن تحقّق الموضوع الواقعي عند حصول هذه الأشياء ، لا أنّها حدّ حقيقي للموضوع النفس الأمري بحيث لا يزيد عليه أصلا في شيء من مصاديقه.