ويدلّ عليه ـ مضافا إلى النصّ والإجماع ـ قضاء العقل بحرمة المعصية ووجوب الاجتناب عن النجس الواقعيّ المعلوم بالإجمال ، المردّد بين الإناءين ، فيجب التحرّز عن كلّ من المحتملين تحرّزا عن العقاب المحتمل.
توضيح هذا الدليل بحيث يتّضح الاستدلال به لوجوب الاجتناب في كلّ شبهة محصورة هو : أنّ إطلاق الأوامر الواردة في الشريعة بالاجتناب عن النجاسات أو المحرّمات مقتض لوجوب الاجتناب عن الأفراد الواقعيّة ، ولا يقبح عقاب من ارتكب المحرّم الواقعي المردّد بين الإناءين بعد علمه به حتى يكون جهله التفصيلي عذرا في حقّه ، كما في الشكوك البدويّة ، ولم يرد من الشرع ما يدلّ على جواز الارتكاب حتى يكون عذرا شرعيّا ، بل لا يجوز عقلا ترخيص الشارع ارتكابه ، وجعل الجهل عذرا في حقّه ، لاستلزامه الترخيص في المخالفة ارتكابه ، وجعل الجهل عذرا في حقّه ، لاستلزامه الترخيص في المخالفة العمديّة ، وهو ممتنع ، لأنّ مخالفة الشارع في حدّ ذاتها ـ كالظلم ـ قبيحة بالذات ، فإذا كان الفعل بهذا العنوان فعلا اختياريّا للمكلّف امتنع أن تعرضه جهة محسّنة له حتى تتبعها الرخصة الشرعية.
هذا ، مع أنّه متى علم المكلّف بوجود خمر مثلا بين الإناءين وأدرك العقل حرمتها على الإطلاق وعدم رضى الشارع بشربها استقلّ بوجوب التجنّب عنها ، فلا يعقل أن يصدر من الشارع ما يناقضه ، إذ ليس للشارع أن يتصرّف في موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة ، نعم له أن يتصرّف في موضوع حكمه الشرعيّ بأن يخصّ الحرمة بالخمر المعلومة